للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (وفرار الخاصَّة من الخبر إلى الشُّهود، ومن الرُّسوم إلى الأصول، ومن الحظوظ إلى التجريد).

يعني أنَّهم لا يرضون أن يكون إيمانهم عن مجرَّد خبر، حتَّى يترقَّوا منه إلى مشاهدة المخبر عنه، فيطلبون التّرقِّي من (٢) علم اليقين بالخبر إلى عين اليقين بالشُّهود، كما طلب إبراهيم الخليل ــ صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه ــ ذلك من ربِّه إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠]، فطلب إبراهيم عليه السلام أن يكون اليقين عِيانًا والمعلومُ مشاهَدًا.

وهذا هو المعنى الذي عبَّر عنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالشكِّ في قوله: «نحن أحقُّ بالشّكِّ من إبراهيم حيث قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}» (٣)، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يشكَّ ولا إبراهيم، حاشاهما من ذلك، وإنّما عبَّر عن هذا المعنى بهذه العبارة. هذا أحد الأقوال في الحديث، وفيه قولٌ ثانٍ: إنه على وجه النفي، أي لم يشكَّ إبراهيم حيث قال ما قال ولم نشكَّ نحن. وهذا القول صحيحٌ أيضًا، أي: لو كان ما طلبه للشكِّ لكنَّا نحن أحقَّ به منه، لكن لم يطلب ما طلب شكًّا، وإنّما طلبه طمأنينةً.


(١) «منازل السائرين» (ص ١٧).
(٢) ع: «عن».
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٧٢) ومسلم (١٥١) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>