للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذليلًا. ولا يعين على هذا إلّا المحبَّةُ الصادقة (١) والذِّكر الدّائم بالقلب واللِّسان، وتجنُّبُ المفسدات الأربعة الباقية الآتي ذكرُها، ولا ينال هذا إلَّا بعدَّةٍ صالحةٍ ومادَّة قويَّةٍ من الله، وعزيمةٍ صادقة، وفراغٍ من التّعلُّق بغير الله.

فصل

المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمنِّي، وهو بحرٌ لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم.

إنَّ المُنى رأس أموال المفاليس (٢)

وبضاعة ركَّابه مواعيد الشياطين وخيالات المحال والبهتان، فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة والخيالات الباطلة تتلاعب براكبه كما تتلاعب بالجيفة.

وهي بضاعة كلِّ نفسٍ مهينةٍ خسيسة سفليَّة، ليست لها همَّةٌ تنال بها الحقائق الخارجيَّة، فاعتاضت عنها بالأماني الذِّهنية، وكلٌّ بحسب حاله، مِن مُتمنٍّ للقدرة والسُّلطان، أو للضّرب في الأرض والتَّطواف (٣) في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنِّسوان والمُردان، فيمثِّل المتمنِّي صورة مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصلها، والتذَّ بالظفر بها، فبينا هو على هذه الحال إذ استيقظ


(١) ع: «محبَّة صادقة».
(٢) عجزُ بيتٍ سائر، صدره:
إذا تمنَّيت بتُّ الليل مغتبطًا
ذكره مع بيت آخر الجاحظُ في «الحيوان» (٥/ ١٩١) دون عزو. وانظر: «عيون الأخبار» (١/ ٢٦١) و «أدب الدنيا والدين» (ص ٣٦١) و «بهجة المجالس» (١/ ١٢٥).
(٣) ل: «والطواف».

<<  <  ج: ص:  >  >>