للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحوال، فغايتُها كلِّها التَّوحيد، وإنّما كلامُ العلماء والمحقِّقين من أهل السُّلوك كلُّه لقصد تصحيحه. وهذا بيِّنٌ من أوّل المقامات إلى آخرها، فإنّها تشير إلى تصحيحه وتجريده.

قوله: (وما سواه من حالٍ أو مقامٍ فكلُّه مصحوب العلل)، يريد: أنّ تجريد التّوحيد لا علّة معه، إذ لو كان معه علّةٌ تصحبه لم يجرَّد. فتجرُّدُه ينفي عنه العللَ بالكلِّيّة بخلاف ما سواه من المقامات والأحوال، فإنَّ العللَ تصحبها.

وعندهم أنَّ علل المقامات لا تزول إلَّا بتجريد التَّوحيد. مثاله: أنَّ علَّةَ مقام التَّوكُّل أن يشهد متوكِّلًا ومتوكَّلًا فيه، ومتوكَّلًا عليه، ويشهد نفسَ توكُّله. وهذا كلُّه علّةٌ (١) في مقام التَّوكُّل، فإنّه لا يصحُّ له مقامُه إلّا بأن لا يشهد مع الوكيل الحقِّ الذي يتوكَّل عليه غيرَه، ولا يرى توكُّلَه سببًا لحصول المطلوب، ولا وسيلةً إليه.

وفيه علّةٌ أخرى أدقُّ من هذه عند أرباب الفناء، وهي: أنَّ المتوكِّلَ قد وكَلَ أمره إلى مولاه، والتجأ إلى كفايته وتدبيره له والقيام بمصالحه. قالوا (٢): وهذا في طريق الخاصَّة عمًى عن التّوحيد، ورجوعٌ إلى الأسباب؛


(١) «ويشهد نفس ... علّة» ساقط من ت.
(٢) الكلام الآتي إلى آخره لابن العريف (ت ٥٣٦) في كتابه «محاسن المجالس» (ص ٧٩ - ٨٠ ط بلاسيوس)، نقل المؤلف بعضه بنصِّه. وفي «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٥٥ - ٥٧٤) نقله كلَّه بنصِّه معزوًّا إليه ونقده من خمسة عشر وجهًا. وقال في «بدائع الفوائد» (٢/ ٧٦٧): «وقد ذكرنا حقيقة التوكل وفوائده وعظم منفعته وشدَّة حاجة العبد إليه في كتاب الفتح القدسي، وذكرنا هناك فساد من جعله من المقامات المعلولة، وأنه من مقامات العوام، وأبطلنا قوله من وجوه كثيرة ... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>