للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِدَمَه. حتّى أعظمُ الطّوائف على الإطلاق شركًا وكفرًا وإلحادًا ــ وهم طائفة الاتِّحاديّة ــ يقولون: هو الوجود المطلق، وهو قديمٌ لم يزل، وهو منزَّهٌ عن الحدَث، ولم تزل المحدَثاتُ تكتسي وجوده: تلبسه وتخلعه.

والفلاسفةُ الذين هم أبعدُ الخلق عن الشّرائع وما جاءت به الأنبياء يُثبتون واجبَ الوجود قديمًا منزَّهًا عن الحدَث.

والمشركون عبّادُ الأصنام يعبدون معه آلهةً أخرى ويُثبتونه قديمًا منزَّهًا عن الحدث.

فتنزيهُ الله عن الحدَث حقٌّ، لكن لا يعطي إسلامًا ولا إيمانًا، ولا يُدْخِل في شرائع الأنبياء، ولا يُخْرِج من نِحَل أهل الكفر ومللهم البتّة. وهذا القدر لا يخفى على شيخ الإسلام، ومحلُّه من العلم والمعرفة محلُّه.

ومع هذا فقد سئل سيِّدُ الطّائفة الجنيدُ عن التوحيد، فقال: هو إفراد القديم عن المحدث (١). والجنيدُ قدَّس الله روحَه أشار إلى أنّه لا تصحُّ دعوى التّوحيد ولا مقامه ولا حاله ولا يكون العبدُ موحِّدًا إلّا إذا أفرد القديمَ من المحدَث، فإنّ كثيرًا ممّن ادّعى التّوحيدَ لم يُفرده سبحانه من المحدثات. فإنَّ من نفى مباينتَه لخلقه فوق سماواته على عرشه، وجعَلَه في كلِّ مكانٍ بذاته، لم يُفرده عن المحدَث، بل جعله حالًّا في المحدَثات مخالطًا لها موجودًا فيها بذاته. وصوفيّةُ هؤلاء وعبّادُهم هم الحلوليّة الذين يقولون: إنّ


(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٨٤). وانظر: «الاستقامة» (١/ ٩٢) و «الرد على الشاذلي» (ص ١٥٨، ١٧٨) و «منهاج السنة» (٥/ ٣٣٩) و «مجموع الفتاوى» (٢/ ٢٩٩ ومواضع أخرى).

<<  <  ج: ص:  >  >>