للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدّثني بعض أقارب شيخ الإسلام ابن تيمية (١) - رحمه الله - قال: كان في بداية أمره يخرج أحيانًا إلى الصّحراء يخلو عن النّاس، لقوّة ما يَرِد عليه. فتبعتُه يومًا، فلمّا أصْحَرَ (٢) تنفَّسَ الصُّعَداء، ثمّ جعل يتمثّل بقول الشّاعر:

وأخرجُ من بين البيوتِ لعلَّني ... أُحدِّث عنك النّفسَ بالسِّرِّ خاليَا

وصاحب هذه الحال إن لم يَرُدَّه الله سبحانه إلى الخَلْق بتثبيتٍ وقوّةٍ، وإلّا فإنّه لا صبرَ له على مخالطتهم.

وقوله: (ويُلذِّذ (٣) الموتَ)، فإنّ صاحبه يرجو فيه لقاء محبوبه، فإذا ذكر الموت التذَّ به، كما يلتذُّ المسافر بتذكُّر قدومه على أهله وأحبابه.

فصل

قال (٤): (الدّرجة الثّانية: قلقٌ يُغالِبُ العقل، ويُخْلِي السَّمع، ويُطاوِل الطّاقةَ).

أي يكاد يَقْهَر العقلَ ويغلبه، فهو والعقل تارةً وتارةً، ولكن لمّا لم يصل إلى درجة الشُّهود لم يَصطلِمْه، فإنّ العقل لا يصطلمه إلّا الشُّهود، ولذلك قال: يُغالب، ولم يقل: يَغلب.


(١) هو تقي الدين ابن شُقير، كما في «روضة المحبين» (ص ٣٩٤) حيث ذكر هذا الخبر، وكرّره في (ص ٥٩٠). والبيت للمجنون في «ديوانه» (ص ٢٩٤، ٣٠١، ٣١٤) من قصيدة طويلة له.
(٢) أي: برز في الصحراء.
(٣) ش، د: «ويلذ».
(٤) «المنازل» (ص ٧٥). وفيه: «ويصاول الطاقة». والمثبت موافق لشرح التلمساني.

<<  <  ج: ص:  >  >>