للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن لمّا كانت الرُّوح قد تتجرّد ويَقوى تعلُّقها بالحقِّ تعالى، ويَضعُف تعلُّقها بل يتلاشى بما سواه، وقد يقترن بذلك نوعُ غَيبةٍ عن (١) حسِّه، ويقوى داعي هذا الواعظ،

ويستولي على قلبه وروحه، بحيث يمتلئ به، فتُؤدِّيه الرُّوح إلى الأذن، فيرجع من الأذن إليها, إذ هي مبدؤه, وإليها يعود، فيظنُّه خطابًا خارجيًّا. وينضاف إلى ذلك نوعٌ من ضعف العلم ومعرفة المراتب, فينشأ الغلط والوهم.

قوله: (أو جذبٌ حقيقيٌّ) , يعني: أنّ من أسباب هذا الوجد (٢) جذبةً حقيقيّةً من جَذَبات الرّبِّ تعالى لعبده، استفاقتْ لها روحُه من منامها, وحَيِيَتْ بها بعد مماتها, واستنارتْ بها بعد ظلماتها. فالوجد خلعة هذه الجذبة.

قوله: (إن أبقى على صاحبه لباسَه، وإلّا أبقى عليه نُورَه) , يريد بلباسه مقامه، يعني إن أبقى عليه تحقُّقَ مقامه فيه، وإلّا أبقى عليه أثره. فمقامُه يُورِثه عزًّا ومهابةً, وخلافةَ نبوّةٍ، ومنشورَ صدِّيقيّةٍ. وأثره يُورِثه حلاوةً وسكينةً، وأُنسًا في نفسه, وأُنسًا للقلوب به، وهوى الأفئدة إليه.

فصل

قال (٣): (الدّرجة الثّالثة: وجدٌ يَخطَفُ العبدَ من يد الكونين, ويُمحِّص معناه من دَرَنِ الحظِّ، ويَسلُبه من رِقِّ الماء والطِّين، إن سَلَبه أنساه اسمَه, وإن


(١) ت: «من».
(٢) ش، د: «الوجه»، تصحيف.
(٣) «المنازل» (ص ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>