للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطَلاقة الوجه، فيفرش له بساط الأُنس ويُجلِسه عليه، فهو أحبُّ إليه من الفُرُش الوثيرة.

وسئل محمّد بن عليٍّ القصّاب (١) أستاذ الجُنيد عن التّصوُّف؟ فقال: أخلاقٌ كريمةٌ، ظهرت في زمانٍ كريمٍ، من رجلٍ كريم، مع قومٍ كرامٍ (٢).

وبالجملة: فهذه الطّريق لا تنافي اللُّطفَ والظَّرْفَ والصَّلَف (٣)، بل هي أصلف شيءٍ، ولكن هاهنا دقيقةٌ قاطعةٌ وهي: الاسترسال مع هذه الأمور، فإنّها أقطع شيءٍ للمريد والسّالك، فمن استرسل معها قطعَتْه، ومَن عاداها بالكلِّيّة وعّرَت عليه طريقَ سلوكِه، ومَن استعان بها أراحَتْه في طريقه، وأراحت غيرَه به، وبالله التّوفيق.

فصل

وأهل هذه الطّبقة، أثقل شيءٍ عليهم البحث عن ماجَرَيات (٤) النّاس، وطلب تعرُّف أحوالهم، وأثقل ما على قلوبهم سماعُها، فهم مشغولون عنها بشأنهم، فإذا اشتغلوا بما لا يَعنيهم منها فاتهم ما هو أعظم عنايةً لهم، وإذا عَدّ غيرُهم الاشتغالَ بذلك وسماعَه من باب الظَّرْف والأدب، وستر الأحوال= كان هذا من خُدَع النُّفوس وتلبيسها، فإنّه يحطُّ الهممَ العالية مِن أوْجها إلى


(١) ت: «ابن القصاب». ينظر ترجمته في «تاريخ بغداد»: (٤/ ١٠٣).
(٢) ذكره في «الرسالة القشيرية» (ص ٥٨٦)، واللمع (ص ٤٥). وقوله «من رجل كريم» سقطت من ط.
(٣) كذا قال المؤلف مع الصَّلَف هو الغلوُّ في الظرف وتجاوز حدِّه إلى الكِبر، ولذا قيل: آفة الظرف: الصَّلَف.
(٤) ش، د: «ما جرايات».

<<  <  ج: ص:  >  >>