للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصادق الذَّكيُّ يأخذ من كلٍّ منهم ما عنده من الحقِّ فيستعين به على مطلبه، ولا يردُّ ما يجده عنده من الحقِّ بتقصيره في الحقِّ الآخر (١) ويُهدره به؛ فالكمال المطلق لله ربِّ العالمين، وما مِن العباد إلَّا مَن (٢) له مقامٌ معلومٌ.

قال (٣): (الدرجة الثالثة: تجريد الانقطاع إلى السبق بتصحيح الاستقامة، والاستغراقِ في قصد الوصول، والنظر إلى أوائل الجمع).

لمَّا جعل الدرجة الأولى انقطاعًا عن الخلق والثَّانيةَ انقطاعًا عن النَّفس جعل الثَّالثة لطلب السبق. وجعله بـ (تصحيح الاستقامة)، وهي الإعراض عمَّا سوى الحقِّ، ولزومُ الإقبال عليه، والاشتغالُ بمحابِّه.

ثمَّ بـ (الاستغراق في قصد الوصول)، وهو أن يَشغَلَه طلبُ الوصول عن كلِّ شيءٍ بحيث يستغرق همومَه وعزائمه وإراداتِه وأوقاتَه. وإنَّما يكون ذلك بعد بدوِّ برق الكشف المذكور له.

وأمَّا (النظر إلى أوائل الجمع)، فالجمع هو قيامُ الخلق كلِّهم بالحقِّ وحده، وقيامُه عليهم بالرُّبوبية والتدبير. والنظر إلى أوائل ذلك: الالتفات إلى مقدِّماته وبداياته، وهي العقبة التي ينحدر منها على وادي الفناء.

وقد قيل: إنّها وقفةٌ تعترض القاطع لأودية التفرقة قبل وصوله إلى الجمع، ومنها يشرف عليه. وهذه الوقفة تعترض كلَّ طالب مُجِدٍّ في طلبه،


(١) ع: «في الآخر».
(٢) «من» لم ترد في ع.
(٣) «المنازل» (ص ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>