للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنها يرجع على عقبيه، أو يصل إلى مطلبه، كما قيل (١):

لابدَّ للعاشق من وقفةٍ ... ما بين سلوانٍ وبين الغرامْ

وعندها ينقل أقدامه ... إمَّا إلى خلفٍ وإمَّا أمامْ

والذي يظهر لي من كلامه أنَّ أوائل الجمع مبادئه ولوائحه وبوارقه.

وبعد هذا درجة رابعة، وهي الانقطاع عن مراده من ربِّه والفناءُ عنه (٢) إلى مراد ربِّه منه والفناءُ به، فلا يريد منه، بل يريد ما يريده، منقطعًا به عن كلِّ إرادةٍ، فينظر في أوائل الجمع في مراده الدِّينيِّ الأمريِّ الذي يحبُّه ويرضاه.

وأكثر أرباب السُّلوك عندهم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فرقٌ، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} جمعٌ. ثمَّ منهم من يرى أنَّ ترك الفرق زندقة وكفر، فهو يعرض عن الجمع إلى الفرق. ومنهم من يرى أنَّ مقام التفرقة مقام ناقص مرغوب عنه، ويرى سوء حالِ أهله وتشتُّتَهم، ويرغب عنه عاملًا على الجمع، يتوجَّه معه حيث توجَّهت ركائبه.

والمستقيمون منهم يقولون: لا بدَّ للعبد السالك من جمعٍ وفرقٍ؛ وقيامُ العبوديَّة بهما، فمن لا تفرقة له لا عبوديَّة له، ومن لا جمع له لا معرفة له ولا حال، فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فرقٌ {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} جمعٌ.

والحقُّ: أنّ كلًّا من مشهدَي (٣) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}


(١) لم أقف عليه، والشطر الأول للعباس بن الأحنف في بيتين له. انظر: «الشعر والشعراء» (ص ٨٣١) و «الزهرة» (ص ١٠٦).
(٢) ع: «القناعة»، تحريف.
(٣) في الأصل وغيره: «مشهد» مفردًا، ولعل المثبت من ع أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>