للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متضمِّنٌ للفرق والجمع، وكمالُ العبوديَّة بالقيام بهما في كلِّ مشهدٍ.

ففرقُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (١): تنوُّع ما يُعبَد به، وكثرةُ تعلُّقاته وضروبه. وجمعه: توحيد المعبود بذلك كلِّه، وإرادةُ وجهه وحده، والفناءُ عن كلِّ حظٍّ ومرادٍ يزاحم حقَّه ومراده. فتضمَّن هذا المشهد فرقًا في جمعٍ، وكثرةً في وحدةٍ، فصاحبه يتنقَّل في منازل العبودية من عبادةٍ إلى عبادة، ومعبودُه واحد (٢).

وأمَّا فرق {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: فشهود ما يستعين به عليه، ومرتبتِه ومنزلتِه، ومحلِّه من النفع والضر، وبدايته وعاقبته، واتِّصالِه بل وانفصاله، وما يترتَّب عليه من هذا الاتِّصال والانفصال؛ فيشهد مع ذلك فقرَ المستعين وحاجته ونقصه، وضرورتَه إلى كمالاته التي يستعين ربَّه (٣) في تحصيلها، وآفاتِه التي يستعينه في دفعها، ويشهد حقيقة الاستعانة وكفاية المستعان به. وهذا كلُّه فرقٌ يثمر عبوديَّةَ هذا المشهد.

وأمّا جمعه: فشهود تفرُّده سبحانه بالأفعال، وصدورِ الكائنات بأسرها عن مشيئته، وتصريفها بإرادته وحكمه. فغيبته بهذا المشهد عمَّا قبله من الفرق نقصٌ في العبوديّة، كما أنَّ تفرُّقه في الذي قبله دون ملاحظته نقصٌ أيضًا. والكمالُ إعطاء الجمع والفرق حقَّهما في هذا المشهد والمشهدِ الأوَّل.


(١) من قوله: «متضمن للفرق ... » إلى هنا ساقط من ع.
(٢) في ع زيادة: «لا إله إلا هو».
(٣) في ل زاد بعضهم باء الجرِّ قبله فصار: «بربِّه»، وكذا جاء في ج. والمثبت من الأصل وغيره يؤيده قوله الآتي: «يستعينه».

<<  <  ج: ص:  >  >>