للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): (الدرجة الثانية: الزُّهد في الفضول، وهو ما زاد على المُسكة والبلاغ من القوت، باغتنام التّفرُّغ إلى عمارة الوقت، وحسم الجأش، والتحلِّي بحلية الأنبياء والصدِّيقين).

والفضول: ما يفضل عن قدر الحاجة. والمُسكة: ما يمسك النَّفْسَ من القوت والشراب واللِّباس والمسكن والمنكح إذا احتاج إليه. والبلاغ: هو البُلغة من ذلك الذي يتبلَّغ به في منازل السفر، كزاد المسافر. فيزهد فيما وراء ذلك اغتنامًا لتفرُّغه لعمارة وقته.

ولمَّا كان الزُّهد لأهل الدرجة الأولى خوفًا من المعتبة وحذرًا من المنقصة كان الزُّهد لأهل هذه الدرجة أعلى وأرفع. وهو اغتنام الفراغ لعمارة أوقاتهم مع الله تعالى، لأنّه إذا اشتغل بفضول الدُّنيا فاته نصيبه من انتهاز فرصة الوقت؛ فالوقت سيفٌ إن لم تقطعه (٢) قطعك.

و (عمارة الوقت): الاشتغال في جميع آنائه (٣) بما يقرِّب إلى الله تعالى، أو يعين على ذلك من مأكلٍ أو مشربٍ أو منكحٍ أو منامٍ أو راحة، فإنَّه متى أخذها بنيَّة القوَّة على ما يحبُّه الله وتجنُّبِ ما يسخطه كانت من عمارة الوقت وإن كان له فيها أتمُّ لذَّة؛ فلا تحسَبْ عمارةَ الوقت بهجر اللذَّات والطيِّبات.

فالمحبُّ الصادق ربَّما كان سيره القلبيُّ في حال أكله وشربه وجماع أهله وراحته أقوى من سيره البدني في بعض الأحيان. ولقد حكي عن بعضهم


(١) «المنازل» (ص ٢٣).
(٢) في ع زيادة: «وإلَّا».
(٣) م، ش: «أيامه»، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>