للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّه كان يَرِد عليه وهو على بطن امرأته حالٌ لا يعهدها في غيرها. ولهذا سببٌ صحيح، وهو اجتماع قوى النفس وعدمُ التفاتها حينئذٍ إلى شيءٍ، مع ما يحصل لها من السُّرور والفرح واللذة، والسُّرورُ يذكِّر بالسُّرور، واللذَّة تذكِّر باللّذّة، فتنهض الرُّوح من تلك الفرحة واللذَّة إلى ما لا نسبة بينها وبينها بتلك الجمعيَّة والقوَّة والنشاط وقطعِ أسباب الالتفات، فيورثه ذلك حالًا عجيبةً.

ولا تعجل بالإنكار، وانظر إلى قلبك عند هجوم أعظم محبوبٍ له عليه في هذه الحال، كيف تراه؟ فهكذا حال غيرك. ولا ريب أنَّ النفس إذا نالت حظًّا صالحًا من الدُّنيا قويت به وسرَّت، واستجمعت قواها وجمعيَّتها، وزال تشتُّتها.

اللهم غَفرًا، فقد طغى القلم وزاد الكلم، فعياذًا بك (١) من مقتك.

وأمَّا (حسم الجأش)، فهو (٢) اضطراب القلب بالتعلُّق بأسباب الدُّنيا رغبةً ورهبةً وحبًّا وبغضًا وسعيًا، فلا يصحُّ الزهدُ للعبد حتَّى يقطع هذا الاضطراب من قلبه بأن لا يلتفت إليها، ولا يتعلَّق بها في حالتَي مباشرته لها وتركه، فإنَّ الزُّهد زهد القلب لا زهدُ الترك من اليد، فهو تخلِّي القلب عنها لا خلوُّ اليد منها.

وأمَّا (التحلِّي بحلية الأنبياء والصدِّيقين)، فإنَّهم أهل الزهد في الدُّنيا حقًّا، إذ هم مشمِّرون إلى عَلَمٍ قد رفع لهم غيرُها فهم فيها زاهدون، وإن كانوا لها مباشرين.


(١) في ع زيادة: «اللهم».
(٢) في ع زيادة: «قطع».

<<  <  ج: ص:  >  >>