للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل (١)

وهذه الطَّريقةُ في الإرادة والطَّلب نظيرُ طريقة التَّجهُّم في العلم والمعرفة: تلك تعطيلٌ للصِّفات (٢) والتّوحيد، وهذه تعطيلُ الأمر (٣) والعبوديّة. وانظر إلى هذا النَّسب والإخاء الذي بينهما، كيف شرَّكَ بينهما في اللَّفظ، كما شرَّكَ في المعنى؟ فتلك طريقةُ النّفي، وهذه طريقةُ الفناء. تلك نفيٌ لصفات المعبود، وهذه فناءٌ عن عبوديّته.

وأمّا نفيُ خواصِّ العبيد وفناؤهم، فأمرٌ وراء نفي أولئك وفنائهم، لأنّ نفيَهم لصفات النّقائص وما يضادُّ أوصافَ الكمال، وفناءَهم عن إرادة غيره ومحبّته وخوفه ورجائه. ففناؤهم عن كلِّ ما يخالف أمره ومحابَّه، ونفيُهم لكلِّ ما يضادُّ كمالَه وجلالَه. ومن له فرقانٌ فهو يعرف هذا وهذا، وغيرُه لا اعتبار به.

وصاحبُ "المنازل" - رحمه الله - كان شديدَ الإثبات للأسماء والصِّفات مضادًّا للجهميّة من كلِّ وجهٍ. وله كتابُ "الفاروق" (٤) استوعَبَ فيه أحاديثَ الصِّفات وآثارَها ولم يُسبَق إلى مثله، وكتابُ "ذمِّ الكلام وأهله" طريقتُه فيه أحسَنُ طريقةٍ. وله كتابٌ لطيفٌ في أصول الدِّين (٥)، يسلك فيه طريقةَ أهلِ الإثبات ويقرِّرها. وله مع الجهميّة المقاماتُ المشهورةُ، وسعَوا بقتله إلى


(١) بإزاء هذا السطر في هامش الأصل: "بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه - رضي الله عنه - ".
(٢) ش: "الصفات".
(٣) ج، ع: "للأمر".
(٤) لا يزال مفقودًا.
(٥) لعله يقصد "كتاب الأربعين في دلائل التوحيد"، وهو مطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>