للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تعطيلٍ، وتلقِّي النَّفي والإثبات من مشكاة الوحي، لا من آراء الرِّجال ونتائج أفكارهم التي هي منشأ البدعة والضَّلالة. فتوبةُ هؤلاء الفسَّاق من جهة الاعتقادات الفاسدة بمحض اتِّباع السُّنّة.

ولا يكتفى منهم بذلك أيضًا (١) حتّى يبيِّنوا فساد ما كانوا عليه من البدعة، إذ التَّوبةُ من كلِّ ذنبٍ هي بفعل ضدِّه. ولهذا شرَطَه (٢) الله في توبة الكاتمين ما أنزل الله من البيِّنات والهدى، لأنَّ ذنبَهم لمَّا كان بالكتمان كانت توبتُهم منه بالبيان. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا} [البقرة: ١٥٩ - ١٦٠]. وذنبُ المبتدع فوق ذنب الكاتم، لأنَّ ذلك كتَم الحقَّ، وهذا كتَمه ودعا إلى خلافه؛ فكلُّ مبتدعٍ كاتمٌ، ولا ينعكس.

وشرَط في توبة المنافق الإخلاصَ; لأنّ ذنبه بالرِّياء. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١٤٥ - ١٤٦].

ولذلك كان الصَّحيحُ من القولين أنَّ توبةَ القاذف إكذابُه نفسَه (٣)، لأنَّه


(١) "أيضًا" ساقط من ش.
(٢) يعني: التبيين، وهكذا في ج. وكان في الأصل: "ولهذا شرط في توبة"، والكلام مستقيم بقراءة "شُرِط" بالبناء للمجهول، ولكن استدرك في الهامش بعد "شرط" لفظ الجلالة كما في ل، م، ع فزيد في ش، ع في آخر الجملة بعد "الهدى": "البيانَ".
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" (١٧/ ٣١ - ٣٢)، و"المغني" (١٤/ ١٩١ - ١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>