وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: والتّحقيق أنّه محمولٌ على الاختيار، فله اختيارٌ في الفعل، وبه صحّ وقوعه، فإنّه لولا إرادته واختياره لما وقع الفعل. ولكنّه محمولٌ على هذه الإرادة والاختيار؛ ليست من قِبَلِه، فهو مختارٌ باعتبار أنّ حقيقة الإرادة والاختيار منه، وغير مختارٍ باعتبار أنّ غيره حملَه على الاختيار، ولم يكن مختارًا من نفسه. هذا معنى كلامه.
قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ: الدّرجة الأولى: إِباءُ الحال على العلم، لشَيْمِ برقِ الكشف، واستدامةِ نور الأنس، والإجابةِ لإماتة الهوى).
يريد بـ (إباء الحال على العلم): استعصاءَه عليه، وأنّ صاحب الحال يأبى عليه حالُه أن يَنزِل منه إلى درجة العلم، ويصعب عليه ذلك كلّ الصُّعوبة. وهو انحطاطٌ في رتبته.
ولا يريد امتناع الحال عن طاعة العلم وتحكيمه، فإنّ هذا انحلالٌ وانسلاخٌ من الطّريق بالكلِّيّة. فكلُّ حالٍ لا يُطيع العلمَ ولا يُحكِّمه فهو حالٌ فاسدٌ مُبعِدٌ عن الله، لكن من وصل إلى حال العلم لم يُجِبْه حالُه أن يَنزِل إلى درجة العلم، وينحطَّ إليها بلا حالٍ.
فإن كان مراده هذا المعنى فهو صحيحٌ. وإن كان مراده امتناع الحال عن طاعة العلم، لأنّ العلم يدعو إلى أحكام الغيبة والحجاب، والحال يدعو إلى