للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه النُّكتةُ في الذّنب قلَّ مَن يهتدي لها أو يتنبَّه عليها. وهي موضعٌ مخوفٌ جدًّا، مترامٍ إلى هلاكٍ (١) إن لم يتدارك بثلاثة أشياء: خوفٍ من الموافاة عليه قبل التّوبة، وندمٍ على ما فاته من الله بمخالفة أمره، وتشميرٍ للجدِّ في استدراكه.

قوله: (وقعودِك على الإصرار عن تداركه). الإصرار هو الاستقرارُ على المخالفة، والعزمُ على المعاودة. وذلك ذنبٌ آخر، لعلّه أعظَمُ من الذّنب الأوّل بكثيرٍ. وهذا من عقوبة الذَّنب أنّه يُوجِب ذنبًا أكبرَ منه، ثمّ الثّاني كذلك، ثمّ الثّالث كذلك، حتّى يستحكم الهلاك. فالإصرارُ على المعصية معصيةٌ أخرى. فالقعودُ عن تدارك الفارط من المعصية إصرارٌ، ورضًا بها، وطمأنينةٌ إليها، وذلك علامةُ الهلاك.

وأشدُّ من هذا كلِّه: المجاهرةُ بالذّنب مع تيقُّنِ نظرِ الرَّبِّ جلَّ جلالُه من فوق عرشه إليه. فإن آمَنَ بنظره إليه وأقدَمَ على المجاهرة فعظيمٌ، وإن لم يُؤمن بنظره إليه (٢) واطِّلاعه عليه فكفرٌ وانسلاخٌ من الإسلام بالكلِّيّة. فهو دائرٌ بين الأمرين: بين قلّة الحياء ومجاهرة نظر الله إليه، وبين الكفر والانسلاخ من الدِّين. فلذلك يشترط في صحّة التّوبة تيقُّنُه أنَّ اللهَ كان ناظرًا إليه، مطّلعًا عليه، يراه جَهْرةً عند مواقعة الذّنب، لأنَّ التّوبةَ لا تصحُّ إلّا من مسلمٍ؛ إلّا أن يكون كافرًا بنظر الله إليه جاحدًا له، فيكون توبتُه دخولَه في الإسلام، وإقرارَه بصفات الرّبِّ جلّ جلاله.


(١) ما عدا ع: "الهلاك" غير أن لام التعريف مضروب عليها في الأصل.
(٢) "إليه" ساقط من ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>