للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أبلغ من حال السُّكر، ولكن لا تدوم له هذه الحال، ولا يمكن أن يعيش عليها.

فصل

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدرجة الأولى: فناءُ المعرفة في المعروفِ وهو الفناء علمًا، وفناءُ العِيان في المعايَن وهو الفناء جحدًا، وفناءُ الطلب في الوجود وهو الفناء حقًّا).

هذا تفصيلُ ما أجمله أوَّلًا، وتبيينُ ما أراد بالعلم والجحد والحقِّ.

فـ (فناء المعرفة في المعروف) هو غيبة العارف بمعروفه عن شعوره بمعرفته ومعانيها، فيفنى به سبحانه عن وصفه هو وما قام به، فإنَّ المعرفة فعله ووصفه، فإذا استغرق في شهود المعروف فني عن صفة نفسه وفِعلها. ولمَّا كانت المعرفةُ فوق العلم وأخصَّ منه كان فناءُ المعرفة في المعروف مستلزمًا لفناء العلم في المعرفة، فيفنى أوَّلًا في المعرفة ثمَّ تفنى المعرفةُ في المعروف.

وأمَّا (فناء العِيان في المعاين)، فالعيان فوق المعرفة، فإنَّ المعرفة مرتبةٌ فوق العلم ودون العيان، فإذا انتقل من المعرفة إلى العيان فني عيانُه في مُعايَنه، كما فنيت معرفتُه في معروفه.

وأمَّا (فناء الطلب في الوجود)، فهو أن لا يبقى لصاحب هذا الفناءِ طلبٌ، لأنَّه ظفر بالمطلوب المشاهَد، وصار واجدًا بعد أن كان طالبًا، فكان إدراكه


(١) «المنازل» (ص ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>