للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوَّلًا علمًا، ثمَّ قوي فصار معرفةً، ثمَّ قوي فصار عيانًا (١)، ثمَّ تمكَّن فصار وجودًا.

ولعلَّك أن تستنكر أو تستبعد هذه الألفاظ ومعانيها (٢)، فاسمع ضربَ مثلٍ يسهِّل (٣) عليك ذلك (٤) ويقرِّبه منك: مثل ملكٍ عظيم السُّلطان، شديد السطوة، تامِّ الهيبة، قويِّ البأس، استدعى رجلًا من رعيَّته قد اشتدَّ جرمه وعصيانه له، فحضر بين يديه، وغلب على ظنِّه إتلافُه له، فأحواله في حال حضوره مختلفةٌ بالنِّسبة إلى ما يشاهده، فتارةً يتذكَّر جرمَه وسطوة السُّلطان وقدرتَه عليه فيفكِّر فيما يلقاه، وتارةً تقهره الحال التي هو فيها فلا يذكر ما كان منه ولا ما أُحضر له، لغلبة الخوف على قلبه ويأسه من الخلاص، ولكنَّ عقله وذهنه معه، وتارةً يغيب قلبُه وذهنه بالكلِّيَّة فلا يشعر أين هو، ولا مَن إلى جانبه، ولا بما يراد به، وربَّما جرى على لسانه في هذه الحال ما لا يريده، فهذا فناء الخوف.

ومثالٌ ثانٍ في فناء الحبِّ: محبٌّ استغرقت محبَّتُه شخصًا في غاية الجمال والبهاء، وأكبر أمنيَّته الوصولُ إليه ومحادثتُه ورؤيتُه، فبينا هو على حاله ــ وقد (٥) ملأ الحبُّ قلبه، وقد استغرق فكره في محبوبه ــ وإذا به قد


(١) في طبعة الفقي زيادة: «ثمَّ تمكَّن فصار معرفة»، وليست في شيء من النسخ، وقد سبق ذكر المعرفة.
(٢) طمس «ومعانيها» في د، فكتب بعضهم مكانه: «المذكورة».
(٣) ر: «يهوِّن».
(٤) ساقط من ش، د.
(٥) واو الحال ساقطة من ت، ر.

<<  <  ج: ص:  >  >>