للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطانها, فإذا جاء سلطانُ تلك الأخلاق وبرزَ كسرَ جيوشَ الرِّياضة وشتَّتَها, واستولى على مملكة الطَّبع.

وهذا فصلٌ يَصِل به السّالك مع تلك الأخلاق, ولا يحتاج إلى علاجها وإزالتها, ويكون سَيره أقوى وأجلَّ (١) وأسرعَ من سَيْرِ العامل على إزالتها.

ونُقدِّم قبلَ هذا مثلًا نضربه, مطابقًا لما نريده, وهو: نهرٌ جارٍ في صَبَبِه ومنحدَرِه، مُنتهٍ إلى تغريقِ أرضٍ وعُمرانٍ ودُورٍ، وأصحابها يعلمون أنّه لا ينتهي حتّى يُخرِّب دورَهم، ويُتلِف أراضيَهم وأموالَهم. فانقسموا ثلاثَ فِرقٍ:

ففرقةٌ صرفتْ قواها وقوى أعمالها إلى سَكْره (٢) وحَبْسِه وإيقافِه، فلم تصنع هذه الفرقة كبيرَ أمرٍ، فإنّه يوشك أن يجتمع ويَحمِل (٣) على السَّكْر، فيكون إفسادُه وتخريبُه أعظمَ.

وفرقةٌ رأتْ هذه الحالَ، وعلمتْ أنّه لا يُغني عنها شيئًا، فقالت: لا خلاصَ من محذوره إلّا بقطعه من أصلِ المنبوع (٤)، فرامتْ قطْعه من أصله، فتعذَّر عليها ذلك غايةَ التّعذُّر، وأَبتِ الطّبيعة النَّهريّة ذلك أشدَّ الإباء، فهم دائمًا في قطع المنبوع، وكلّما سدُّوه من موضعٍ نَبعَ من موضعٍ، فاشتغل هؤلاء


(١) ل: «وأعجل».
(٢) أي سَدّه.
(٣) ل: «ثم يحمل».
(٤) كذا في الأصول، واستعمله المؤلف في «النونية» (٣/ ٩٢٠). والمقصود به: المنبع، وهو مخرج الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>