للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاته إلّا ما عقَل منها (١). وهكذا ينبغي أن يكون سائرُ الأعمال التي يؤمر بالحضور فيها والخشوع، كالطَّواف وأعمال المناسك ونحوها.

فإن انضاف إلى ذلك إحسانُ ظنِّه بها، واستكثارُها، وعدمُ التفاته إلى عيوبها ونقائصها والتّوبةِ إلى الله والاستغفارِ منها= جاءت تلك المفاسدُ التي ذكرها وما هو أكثر منها.

وقد ظنَّ بعضُ الشَّارحين لكلامه أنَّ مراده به (٢): الإزراءُ بالاستكثار من الطَّاعات، وأنَّ مجرَّدَ الفناءِ والشُّهودِ والاستغراقِ في حضرة المراقبة خيرٌ منها وأنفعُ. وهذا باطلٌ وكذبٌ عليه وعلى الطّريقة والحقيقة.

ولا ريب أنَّ هذا طريقُ المنحرفين من السّالكين، وهو تعبُّدٌ بمراد العبد وحظِّه من الله تعالى، وتقديمٌ له على مراد الله ومحابِّه من العبد. فإنَّ للعبد حظًّا، وعليه حقًّا: فحقُّ الله عليه تنفيذُ أوامره والقيامُ بها، والاستكثارُ من طاعاته بحسب الإمكان، والاشتغالُ بمحاربة أعدائه ومجادلتهم، ولو فرَّق ذلك جمعيّتَه وشتَّتَ حضورَه. فهذا هو العبوديّة التي هي مراد الله وحقُّه.

وأمَّا الجمعيَّةُ والمراقبةُ، والاستغراقُ في الفناء، وتعطيلُ الحواسِّ والجوارح عن إرسالها في الطّاعات والاستكثار منها= فهذا مجرَّدُ حظِّ العبد ومراده. وهو - بلا شكٍّ - أنعَمُ وألذُّ وأطيَبُ من تفرقة الاستكثار من الطّاعات، لا سيَّما إذا شهدوا تفرقةَ المستكثرين منها، وقلَّةَ نَصيبهم من


(١) كما تقدَّم من قول ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) ش: "بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>