للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، ويدلُّه على طريق الوصول إليه. وهذا الدّليل هو الرّسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو موقوفٌ عليه ويتقيّد به، لا يخطو خطوةً إلّا وراءه.

وأيضًا فإن القوم يشيرون إلى الكشف ومشاهدة الحقيقة، وهذا لا يمكن طلبه بالدّليل أصلًا. ولا يقال: ما الدّليل على حصول هذا؟ وإنّما يحصل بالسُّلوك في منازل السّير، وقَطْعِها منزلةً منزلةً حتّى يصلَ إلى المطلوب، فوصوله إليه بالسّير لا بالاستدلال. بخلاف وصول المستدلِّ، فإنّه إنّما يصل إلى العلم، ومطلوبُ القوم وراءه. والعلم منزلةٌ من منازلهم كما سيأتي ذكرها، ولهذا يسمُّون أصحاب الاستدلال: أصحابَ القال، وأصحاب الكشف: أصحاب الحال. والقوم عاملون على الكشف الذي يحصل بنور العيان، لا على العلم الذي يُنال بالاستدلال والبرهان.

وهذا موضع غلطٍ واشتباهٍ، فإنّ الدّليل في هذا المقام شرطٌ، وكذلك العلم. وهو بابٌ لا بدَّ من دخوله إلى المطلوب، ولا يُوصَل إلى المطلوب إلّا من بابه، كما قال تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩].

ثمّ إنّه يُخاف على من لم يقف مع (١) الدّليل ما هو أعظم الأمور، وهو الانقطاع عن المطلوب بالكلِّيّة، والوصول إلى مجرّد الخيال والمحال. فمن خرج عن الدّليل ضلّ عن (٢) سواء السّبيل.

فإن قيل: تعلُّقه في السير بالدّليل يُفرِّق عليه عزمَه وقلبه، فإنّ الدّليل يُفرِّق، والمدلول يجمِّع. فالسّالك يقصد الجمعيّة على المدلول، فما له


(١) ل: «لا يقف على».
(٢) «عن» ليست في ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>