للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجملة، فشهودُ القلوب لمحبّته وكراهيته كشهود العِيان لكرامته وإهانته.

فصل

وأمّا حديث الرِّضا بالقضاء:

فيقال أولًا: بأيِّ كتابٍ أم بأيِّ سنّةٍ أم بأيِّ معقولٍ علمتم وجوبَ الرِّضا بكلِّ ما يقضيه ويقدِّره، بل جواز ذلك، فضلًا عن وجوبه؟ هذا كتابُ الله، وسنَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأدلّةُ المعقول (١) = ليس في شيءٍ منها الأمرُ بذلك ولا إباحته.

بل من المقضيِّ ما يُرضى به، ومنه ما يُسْخَطُ ويُمْقَتُ. ولا يُرضَى (٢) بكلِّ قضاءٍ، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يُسْخَطُ (٣)، كما أنّ من الأعيان المقضيَّةِ ما يُغضَب عليه، ويُمقَت، ويُلْعَن ويُذَمُّ.

ويقال ثانيًا: هاهنا أمران: قضاءٌ وهو فعلٌ قائمٌ بذات الرَّبِّ تعالى، ومقضيٌّ وهو المفعول المنفصل عنه. فالقضاءُ خيرٌ كلُّه وعدلٌ وحكمةٌ، فيُرضى به كلِّه. والمقضيُّ قسمان: منه ما يُرضى به، ومنه ما لا يُرضى به. وهذا جوابُ من يقول: الفعلُ غيرُ المفعول، والقضاءُ غيرُ المقضيِّ. وأمّا من يقول: الفعلُ هو المفعول، والقضاءُ عينُ المقضيِّ، فلا يمكنه أن يجيب بهذا الجواب.

ويقال ثالثًا: القضاء له وجهان، أحدهما: تعلُّقه بالرّبِّ تعالى ونسبتُه إليه،


(١) ما عدا ل، ج: "العقول".
(٢) ع: "يسخطه ويمقته فلا يرضى".
(٣) ج، ع: "يسخطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>