للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم مِن أولياء الله من هو أكثر منهم عددًا، وأعظم عند الله وعند المؤمنين منهم قدرًا، وأقرب بالقرون المفضَّلة عهدًا، وليس من شرط وليِّ الله العصمة. وقد تقاتل أولياء الله في صفِّين بالسُّيوف، ولمَّا سار بعضهم إلى بعضٍ كان يقال: سار أهل الجنَّة إلى أهل الجنَّة (١).

وكون وليِّ الله يرتكب المحظور والمكروه متأوِّلًا أو عاصيًا لا يمنع ذلك الإنكارَ عليه، ولا يُخرجه عن أصل ولاية الله تعالى، وهيهات هيهات أن يكون أحدٌ من أولياء الله المتقدِّمين حضر هذا السماع المُحدَث المشتملَ على هذه الهيئة التي تفتن القلوب أعظمَ من فتنة المشروب، حاشا أولياء الله من ذلك!

وإنَّما السماع الذي اختلف فيه مشايخُ القوم: اجتماعهم في مكانٍ خالٍ من الأغيار يذكرون الله ويتلون شيئًا من القرآن، ثمَّ يقوم بينهم قوَّالٌ ينشدهم شيئًا من الأشعار المزهِّدة في الدُّنيا، المرغِّبة في لقاء الله تعالى ومحبَّته وخوفه ورجائه والدار الآخرة، وينبِّههم (٢) على بعض أحوالهم من غدرةٍ أو غفلة، أو بُعدٍ أو انقطاع، أو تأسُّفٍ على فائت، أو تداركٍ لفارط، أو وفاءٍ بعهد، أو تصديقٍ بوعد، أو ذكر قلقٍ وشوقٍ، أو خوفِ فُرقةٍ أو صدٍّ، أو ما جرى هذا المجرى.

فهذا السّماع الذي اختلف فيه القوم، لا سماع المُكاء والتَّصدية والمعازف، والخُماريَّات (٣) وعشق الصُّور من المردان والنِّسوان، وذكر


(١) لم أقف عليه.
(٢) ش: «ينبئهم»، تصحيف.
(٣) أي: الأشعار التي قيلت في وصف «الخُمار»، وهو السُّكْر والنَّشوة. وتسمَّى «الخمريات» أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>