للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا تعلُّق الرجاء بمراده دون مراد سيِّده، فهو إنَّما علَّقه بمراده المحبوب له، هاربًا من مراده المسخوط المكروه له. وعلى تقدير أن يكون محبوبًا له إذا كان انتقامًا، فالعفو والفضل أحبُّ إليه منه؛ فهو إنَّما علَّق رجاءه بأحبِّ المرادين إليه.

وأمَّا كون الرجاء اعتراضًا على ما سبق به الحكم، فليس كذلك، بل تعلُّقًا بما سبق به الحكم، فإنَّه إنَّما يرجو فضلًا وإحسانًا ورحمةً سبق بها القضاء والقدر وجُعل الرجاءُ أحدَ أسباب حصولها، فليس الرجاء اعتراضًا على القدر ولا معارضةً للقدر، بل طلبًا لما سبق به القدر.

وأمَّا اعتراضه إذا لم يحصل له مرجوُّه فهذا نقصٌ في العبودية وجهلٌ بحقِّ الرُّبوبيَّة، فإنَّ الراجي والداعي يرجو ويدعو فضلًا لا يستحقُّه ولا يستوجبه بمعاوضةٍ، فإن أُعطيه (١) فمحض المنَّة (٢) والصدقة عليه، وإن منعه فلم يمنع حقًّا هو له، فاعتراضه رعونة وجهالة. ولا يلزم من فوات المرجوِّ وعدمِ حصول المدعوِّ به في حقِّ العبد الصَّادقِ معارضةٌ ولا اعتراض. وقد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربَّه ثلاث خصالٍ لأمَّته، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدةً، فرضي بما أعطاه ولم يعترض فيما منعه، بل رضي وسلَّم (٣).

وأمَّا كون الرجاء وقوفًا مع الحظِّ، فأصحابُ هذه الطريق قد خرجوا عن نفوسهم فكيف حظوظِهم (٤)؟ فيا لله العجب! أيُّ رعونةٍ فيمن يجعل رجاءَ


(١) ع: «أعطاه».
(٢) الأصل: «المشيئة». ولعل المثبت من سائر النسخ هو الصواب.
(٣) أخرجه مسلم (٢٨٩٠) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(٤) أي: فكيف عن حظوظهم، أو بحظوظهم؟ على غرار قول المؤلف الآتي (ص ٣٠٥): «فكيف بحال المريدين؟ فكيف العارفين».

<<  <  ج: ص:  >  >>