للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا (تنسُّم نسيم الفناء)، فلمَّا كان الفناء عنده غايةً جعل هذه الدرجة كالنسيم لرقَّته، وعبَّر عنها بالنسيم للطف موقعه من الرُّوح وشدَّة تشبُّثها به، ولا ريب أنَّ الخشوع سببٌ موصلٌ إلى الفناء، فاضلِه ومفضولِه.

فصل

قال (١): (الدرجة الثالثة: حفظ الحرمة عند المكاشفة، وتصفية الوقت من مُراياة (٢) الخلق، وتجريد رؤية الفضل).

أمَّا (حفظ الحرمة عند المكاشفة)، فهو ضبط النَّفس بالذُّلِّ والانكسار عن البسط والإدلال الذي تقتضيه المكاشفة، فإنَّ المكاشفة توجب بسطًا، ويُخاف منه شطحٌ إن لم يصحبه خشوعٌ يحفظ الحرمة.

وأمّا (تصفية الوقت من مراياة الخلق) فلا يريد به أنه يصفِّي وقته عن الرِّياء، فإنّ أصحاب هذه الدرجة أجلُّ قدرًا وأعلى من ذلك. وإنما المراد أنه يُخفي أحوالَه عن الخلق جهدَه كخشوعه وذلِّه وانكساره، لئلَّا يراها الناس فيعجبَه اطِّلاعُهم عليها ورؤيتهم لها، فيَفْسُد عليه قلبُه ووقته وحاله مع الله تعالى، وكم قد اقتطع (٣) في هذه المفازة من سالكٍ! والمعصوم من عصمه الله. فلا شيء أنفع للصادق من التحقُّق بالمسكنة والفاقة والذُّلِّ، وأنَّه لا شيء، وأنه ممَّن لم يصحَّ له بعدُ الإسلامُ حتَّى يدَّعي الشَّرَف.

ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيميّة ــ قدّس الله روحه ــ من ذلك


(١) «المنازل» (ص ٢٢).
(٢) كذا رسمه بالتسهيل في النسخ و «المنازل» و «شرح التلمساني» (ص ١٣٣).
(٣) في النسخ عدا الأصل، ل، ع: «انقطع».

<<  <  ج: ص:  >  >>