للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، حتّى خرقَ حُجُبَ السّماوات، وجاوز السّبع الطِّباق، وجاوز سدرة المنتهى، ووصل إلى محلٍّ من القرب سبقَ به الأوّلين والآخرين. فانصبَّتْ إليه هناك أقسامُ القرب انصبابًا، وانقشعَتْ عنه سحائب الحُجب ظاهرًا وباطنًا حجابًا حجابًا، وأُقيمَ مقامًا غَبَطَه به الأنبياء والمرسلون. فإذا كان في المعاد أُقيم مقامًا من القرب ثانيًا يَغْبِطه به الأوّلون والآخرون، واستقام هناك على صراطٍ مستقيمٍ من كمال أدبه مع الله، ما زاغَ البصر عنه وما طغى. فأقامه في هذا العالم على أقومِ صراطٍ من الحقِّ والهدى، وأقسمَ بكلامه على ذلك في الذِّكر الحكيم، فقال: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: ١ - ٤]. فإذا كان يوم المعاد أقامه على الصِّراط يسأله السّلامةَ لأتباعه وأهل سنّته، حتّى يَجُوزوه إلى جنّات النّعيم. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

فصل

والأدب هو الدِّين كلُّه، فإنّ ستر العورة من الأدب، والوضوء وغسل الجنابة والتّطهُّر من الخبث من الأدب، حتّى يقف بين يدي الله طاهرًا. ولهذا كانوا يستحبُّون أن يتجمّل الرّجل في صلاته للوقوف بين يدي ربِّه.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: أمرَ الله بقدرٍ زائدٍ على ستر العورة في الصّلاة, وهو أخذ الزِّينة, فقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]. فعلّق الأمر باسم الزِّينة لا بستر العورة، إيذانًا بأنّ العبد ينبغي له أن يلبسَ أزينَ ثيابه وأجملَها في الصّلاة (١).


(١) انظر معنى أخذ الزينة عند الصلاة في «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ١٠٩ - ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>