للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا غاية الكمال والأدب مع الله الذي لا يلحقه فيه سواه، فإنّ عادة النُّفوس إذا أُقيمت في مقامٍ عالٍ رفيعٍ: أن تتطلّع إلى ما هو أعلى منه وفوقه. ألا ترى أنّ (١) موسى - صلى الله عليه وسلم - لمّا أُقيم في مقامِ التّكلُّم والمناجاة طلبتْ نفسُه الرُّؤية؟ ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - لمّا أقيم في ذلك المقام وفّاه حقَّه، ولم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أُقيم فيه البتّةَ.

ولأجل هذا ما عاقه عائقٌ، ولا وقفَ به مرادٌ، حتّى جاوز السّماوات السّبع حتّى عاتب موسى ربَّ العزّة، وقال: تقول بنو إسرائيل: إنِّي أكرمُ الخلق على الله، ... (٢) فلم تَعُقْه إرادةٌ، ولم يقِفْ به دونَ كمال العبوديّة همّةٌ.

ولهذا كان مركوبه في مَسْراه يسبق خَطْوُه الطَّرْفَ، فيضع قدمَه عند منتهى طَرْفه، مشاكلًا لحالِ راكبه، وبُعْدِ شَأْوِه الذي سبقَ به العالمَ أجمعَ في سيره، فكان قَدمُ البُراقِ لا تتخلَّف عن موضع نظره، كما كان قَدمُه - صلى الله عليه وسلم - لا يتأخّر عن محلِّ معرفته.

فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - في خَفَارةِ كمال أدبه مع الله سبحانه، وتكميل مرتبة عبوديّته


(١) ش، د: «إلى».
(٢) بعدها بياض في الأصول. وكأن المؤلف أراد أن يكمل الحديث بالرجوع إلى المصادر، فلم يتيسر له. وهو قطعة من حديث طويل يرويه أبو هارون العبدي ــ وهو متروك ــ عن أبي سعيد الخدري، أخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «بغية الباحث» (٢٧)، والطبري في «التفسير» (١٤/ ٤٣٦ - ٤٤١)، و «تهذيب الآثار» [مسند ابن عباس] (٧٢٥)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢/ ٣٩٠ - ٣٩٣). وفيه: «يزعمُ الناس أنّي أكرم الخلق على الله، فهذا أكرمُ على الله منّي، ولو كان وحده لم أكن أبالي، ولكن كلُّ نبيّ ومَن تبعه من أمته».

<<  <  ج: ص:  >  >>