للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فهم هذا فهم بابًا عظيمًا من سرِّ القدر، وانحلَّت له إشكالات كثيرة، فهو سبحانه لا يريد من نفسه فعلًا يفعله بعبده يقع منه ما يحبُّه ويرضاه، فيمنعه فعلَ نفسه به ــ وهو توفيقه ــ، لا أنَّه يُكرهه ويقهره على فعل مساخطه، بل يكله إلى نفسه وحوله وقوَّتِه ويتخلَّى عنه، فهذا هو المكر.

قوله: (ولا ييأس من معونة)، يعني إذا كان المحرِّك له هو الربُّ جلَّ جلاله، وهو أقدر القادرين، وهو الذي تفرَّد بخلقه ورزقه، وهو أرحم الراحمين= فكيف ييأس من معونته له؟

وقوله: (ولا يعوِّل على نية)، أي لا يعتمد على نيَّته وعزمه ويثق بها، فإنَّ نيّته وعزمه بيد الله تعالى لا بيده، وهي إلى الله لا إليه، فلتكن ثقته بمن هي في يده حقًّا، لا بمن هي جاريةٌ عليه حكمًا.

فصل

قال (١): (الدرجة الثانية: معاينة الاضطرار، فلا يرى عملًا منجيًا، ولا ذنبًا مهلكًا، ولا سببًا حاملًا).

أي: يعاين فقره وفاقته وضرورته التامَّة إلى الله، بحيث (٢) يرى في كلِّ ذرَّةٍ من ذرَّاته الباطنة والظاهرة ضرورةً وفاقةً تامَّةً إلى الله، فنجاته إنَّما هي بالله لا بعمله.

وأمَّا قوله: (ولا ذنبًا مهلكًا)، فإن أراد به أنَّ هلاكه بالله لا بسبب ذنوبه فباطلٌ معاذَ الله من ذلك. وإن أراد به أنَّ فضل الله وسعةَ مغفرته ورحمته،


(١) «المنازل» (ص ٣٥).
(٢) في ع زيادة: «إنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>