للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغيرهما، ووصول الغذاء منهما إليه أكملُ وأقوى من سائر الحواسِّ، وانفعالُه عنهما أشدُّ من انفعاله عن غيرهما.

ولهذا تجد في القرآن اقترانَه بهما أكثرَ من اقترانه بغيرهما، بل لا يكاد يقترن إلّا بهما أو بإحداهما. قال الله تعالى: {قَدِيرٌ (٧٧) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: ٧٨]. وقال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٦]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩]. وقال تعالى في صفة الكفّار: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: ١٨]. وقال: {يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦].

وهذا كثيرٌ في القرآن جدًّا، لأنّ تأثُّره بما يراه ويسمعه أعظمُ من تأثُّرِه بما يلمسه ويذوقه ويشمُّه. ولأنّ هذه الثّلاثة هي طرق العلم. وهي السّمع والبصر والعقل (١).

وتعلُّق القلب بالسّمع وارتباطه به أشدُّ من تعلُّقه بالبصر وارتباطِه به، ولهذا يتأثّر بما يسمعه من الملذوذات أعظمَ ممّا يتأثّر بما يراه من


(١) «وهي السمع والبصر والعقل» ليست في ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>