وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم دفعَ حقوقَهم. وجحدها، واستهان بها.
ولمّا كان لصاحب الحقِّ مقالٌ وصَولةٌ، كانت النُّفوس المتكبِّرة لا تُقِرُّ له بالصّولة على تلك الصّولة التي فيها، ولا سيّما النُّفوس المُبطِلة، فتصول على صولة الحقِّ بكِبْرها وباطلها. فكان حقيقة التّواضع: خضوع العبد لصولة الحقِّ، وانقياده لها، فلا يقابلها بصولته عليها.
قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: التّواضع للدِّين، وهو أن لا يعارِض بمعقولٍ منقولًا، ولا يتّهم للدِّين دليلًا، ولا يرى إلى الخلاف سبيلًا).
التّواضع للدِّين هو الانقياد لما جاء به الرّسول - صلى الله عليه وسلم -، والاستسلام له والإذعان. وذلك بثلاثة أشياء:
الأوّل: أن لا يعارض شيئًا ممّا جاء به من المعارضات الأربعة السّارية في العالم، المسمّاة: بالمعقول، والقياس، والذّوق، والسِّياسة.
فالأول: للمنحرفين أهلِ الكِبْر من المتكلِّمين، الذين عارضوا نصوص الوحي بمعقولاتهم الفاسدة، وقالوا: إذا تعارض العقل والنّقل قدَّمنا العقلَ وعزلنا النّقل، إمّا عزلَ تفويضٍ، وإمّا عزلَ تأويلٍ.
والثّاني: للمتكبِّرين من المنتسبين إلى الفقه، قالوا: إذا عارض القياسُ والرّأيُ النُّصوصَ قدّمنا القياس على النّصِّ، ولم نلتفت إليه.