للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثّالث: للمتكبِّرين المنحرفين من المنتسبين إلى التّصوُّف والزُّهد، إذا تعارض عندهم الذّوق والأمر قدّموا الذّوق والحال، ولم يَعْبؤوا بالأمر.

والرّابع: للمتكبِّرين المنحرفين من الولاة والأمراء الجائرين، إذا تعارضت عندهم الشّريعة والسِّياسة قدّموا السِّياسة، ولم يلتفتوا إلى حكم الشّريعة.

فهؤلاء الأربعة هم أهل الكبر. والتّواضع: التّخلُّص من ذلك كلِّه.

الثّاني: أن لا يتّهم دليلًا من أدلّة الدِّين، بحيث يظنُّه فاسد الدّلالة، أو ناقصَ الدّلالة أو قاصرَها، أو أنّ غيره كان أولى منه. ومتى عرض له شيءٌ من ذلك فليتّهِمْ فهمه، وليعلَمْ أنّ الآفة منه، والبليّة فيه، كما قيل (١):

وكم من عائبٍ قولًا صحيحًا ... وآفتُه من الفهم السّقيمِ

ولكن تأخذُ الأذهانُ منه ... على قدْرِ القرائحِ والفُهوم

وهكذا الواقع في الواقع حقيقةً: أنّه ما اتَّهَم أحدٌ دليلًا للدِّين إلّا وكان هو المتّهم الفاسد الذِّهن، المأووف (٢) في عقله وذهنه. فالآفة من الذِّهن العليل، لا في نفس الدّليل.

وإذا رأيتَ من أدلّة الدِّين ما يُشكِل عليك، وينبو فهمك عنه، فاعلم أنّه لعظمته وشرفه استعصى عليك، وأنّ تحته كنز (٣) من كنوز العلم لم تُؤتَ مفتاحَه بعدُ. هذا في حقِّ نفسك.


(١) البيتان للمتنبي في «ديوانه» (٢/ ٢٤٦).
(٢) أي الذي أصابته آفة.
(٣) كذا في الأصول مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>