للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسيرٍ، الكلمة الواحدة: قال أبو عبد الرّحمن السُّلميُّ (١): سمعت محمّد بن مخلدٍ يقول: سمعت جعفرًا يقول: سمعت الجنيد - رحمه الله - يقول: المريد الصّادق غنيٌّ عن علم العلماء (٢).

وقال جعفر أيضًا: سمعت الجنيد يقول: إذا أراد الله بالمريد خيرًا أوقعَه إلى الصُّوفيّة، ومنعَه صحبةَ القُرّاء (٣).

قلت: إذا صدق المريد، وصحّ عقدُ صدقِه مع الله، فتح الله على قلبه ببركة الصِّدق، وحسنِ المعاملة مع الله: ما يغنيه عن العلوم التي هي نتائج أفكار النّاس وآرائهم، وعن العلوم التي هي فضلةٌ ليست من زاد القبر، وعن كثيرٍ من إشارات الصُّوفيّة وعلومهم التي أفْنَوا فيها أعمارهم: من معرفة النّفس وآفاتها وعيوبها، ومعرفة مفسِدات الأعمال وأحكام السُّلوك، حتى (٤) كان حال سلوكه (٥) وصدقه وصحّة طلبه: يُرِيه ذلك كلّه بالفعل.

ومثال ذلك: رجلٌ قاعدٌ في البلد يَدْأَب ليلَه ونهاره في علم منازل الطّريق وعَقَباتها وأوديتها، ومواضع المتاهات فيها، والموارد والمفاوز. وآخرُ حمله الوجد وصدق الإرادة على أن ركب الطّريقَ وسار فيها، فصدقُه يُغنِيه عن علم ذلك القاعد، ويريه إيّاه في سلوكه عيانًا.

وأمّا أن يُغنيه صدق إرادته عن علم الحلال والحرام، وأحكامِ الأمر


(١) بعدها في ش، د: «يقول».
(٢) «الرسالة القشيرية» (ص ٤٦٩).
(٣) المصدر نفسه (ص ٤٦٨).
(٤) «حتى» ليست في ش، د.
(٥) «سلوكه» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>