للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (١): (التّعظيم: معرفة العظمة مع التّذلُّل لها. وهو على ثلاث درجاتٍ. الأولى: تعظيم الأمر والنّهي، وهو أن لا يُعارَضا بترخُّصٍ جافٍ. ولا يُعرَّضا لتشديدٍ غالٍ، ولا يُحمَلا على علّةٍ تُوهِنُ الانقياد).

هذه ثلاثة أشياء تُنافي تعظيم الأمر والنّهي:

أحدها: التّرخُّص الذي يجفو به صاحبُه عن كمال الامتثال.

والثّاني: الغلوُّ الذي يتجاوز به صاحبُه حدودَ الأمر والنّهي.

فالأوّل تفريطٌ، والثّاني إفراطٌ.

وما أمر الله بأمرٍ إلّا وللشّيطان فيه نزعتان: إمّا إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإمّا إلى إفراطٍ وغلوٍّ. ودينُ الله بين الجافي عنه والغالي فيه، والوادي بين الجبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسَطُ بين طرفَينِ ذميمين. وكما أنّ الجافي عن الأمر مُضيِّعٌ له، فالغالي فيه مُضيِّعٌ له. هذا بتقصيره عن الحدِّ، وهذا بتجاوز (٢) الحدّ.

وقد نهى الله عن الغلوِّ بقوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا} [المائدة: ٧٧]. والغلوُّ نوعان:

نوعٌ يُخرِجه عن كونه مطيعًا. كمن زاد في الصّلاة ركعةً، أو صام الدَّهرَ مع أيّام النّهي، أو رمى الجمارَ بالصَّخَرات الكبار التي يُرمى بها في المنجنيق،


(١) (ص ٦٥).
(٢) ش, د: «متجاوز».

<<  <  ج: ص:  >  >>