لمراد الرّبِّ الدِّينيِّ من عبده. وقولنا «الدِّينيُّ» احترازٌ من مراده الكونيِّ، فإنّ كلّ ما في الكون مُوجَب هذه الإرادة.
فالكشف الصّحيح: أن يعرف الحقّ الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبَه معاينةً لقلبه، وتتجرَّد إرادةُ القلب له، فتدور معه وجودًا وعدمًا، هذا هو التّحقيق الصّحيح، وما خالفه فغرورٌ قبيحٌ.
قوله:(وهي أن تكون مستدامةً)، هكذا رأيته في نسخٍ، وفي أخرى:«وهي لا تكون مستديمةً»، وكأنّ هذا الثّاني أصحُّ؛ لأنّ سياق الكلام يدلُّ على ذلك، وأنّها غير مستدامةٍ في الدّرجة الأولى، فإذا استدامت صارت في الدّرجة الثّانية، وبذلك يحصل الفرق بين الدّرجتين، وإلّا فلو كانت مستدامةً فيهما كانت الدّرجتان واحدةً.
قوله:(فإذا كانت حينًا دون حينٍ، ولم يُعارضها تفرُّقٌ).
يعني: فهي الدّرجة الأولى، بشرط أن لا يقطعَ حكْمَها تفرُّقٌ، ولهذا قال: لا يُعارضها، ولم يقل: لا يعرِض لها، فإنّ التّفرُّق لا بدَّ أن يعرض، لكن لا يعارضها ويقاومها بحيث يُزِيلها، فإنّ العارض إذا عرض للقلب كرهه ومحاه وأزاله بسرعةٍ.
وأمّا المُعارض فإنّه يُزِيل الحاصلَ ويَخلُفه، فيصير الحكم له.
فلذلك قال:(غيرَ أنّ الغَينَ ربّما شابَ مقامَه، على أنّه قد بلغ مبلغًا ... ) إلى آخره. يعني: أنّ لوازم البشريّة لا بدَّ له منها، ولو لم يكن إلّا أخفّها، وهو الحجاب الرّقيق الذي يَعرِض لقلبه وهو الغَيْن، لكنّه لا يضرُّه لأنّه قد بلغ مبلغًا (لا يلتفِتُه قاطعٌ)، أي: لا تُوجِب له القواطعُ التفاتَ قلبه عن مقامه إليها،