للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيحدُّه على الشّراب، كيف قامت به قوّةُ إيمانه ويقينه، ومحبّته لله ورسوله، وتواضعه وانكساره لله، حتّى نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لعنته (١).

فظهر بهذا أنّ طغيان المعاصي أسلمُ عاقبةً من طغيان الطّاعات.

وقد روى الإمام أحمد في كتاب «الزُّهد» (٢) أنّ الله سبحانه أوحى إلى موسى - صلى الله عليه وسلم -: يا موسى، أَنذِر الصِّدِّيقين، فإنِّي لا أضعُ عدلي على أحدٍ إلّا عذَّبتُه من غيرِ أن أظلمَه، وبَشِّرِ الخطّائين، فإنّه لا يتعاظمني ذنبٌ أن أغفره.

فلنرجع إلى شرح كلامه.

فقوله: (مكاشفةٌ تدلُّ على التّحقيق الصّحيح)، كلٌّ يدّعي أنّ التّحقيق الصّحيح معه.

وكلٌّ يدَّعُون وصالَ ليلى ... ولكن لا تُقِرُّ لهم بذاكا (٣)

وليس التّحقيق الصّحيح إلّا المطابق لما عليه الأمر في نفسه، وهو في العلم: الكشفُ المطابق لما أخبرتْ به الرُّسل، وفي الإرادة: الكشفُ المطابق


(١) أخرج البخاري (٦٧٨٠) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلَده في الشراب، فأُتِي به يومًا فأمرَ به فجُلِد، فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنْه، ما أكثرَ ما يُؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ أنه يحبُّ الله ورسولَه».
(٢) رقم (٣٧٦). وفيه: «أوحى إلى داود: يا داود ... ». وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٥٧) من طريق أحمد.
(٣) أنشده المؤلف في «الرسالة التبوكية» (ص ٢٧)، والسبكي في «طبقات الشافعية» (٨/ ٢٢٢، ٩/ ٣٧). وهو من عائر الشعر الذي لم ينسب لقائل معيّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>