للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إيمانه ويقينه ومعرفته وعقله، وجمَّلَ به ظاهره وباطنه، فهداه به لأحسن الأخلاق والأعمال، وصرف به عنه سيِّئ الأخلاق والأعمال، وأقام سبحانه من ذلك العمل للقلب جندًا يحارب به قُطَّاعَ طريق الوصول إليه. فيحارب الدُّنيا بالزُّهد فيها وإخراجها من قلبه، ولا يضرُّه أن تكون في يده وبيته وقوّةُ يقينِه بالآخرة. ويحارب الشّيطان بترك الاستجابة لداعي الهوى، فإنّ الشّيطان مع الهوى لا يفارقه. ويحارب الهوى بتحكيم الأمر المطلق والوقوف معه، بحيث لا يبقى له هوًى فيما يفعله ويتركه (١). ويحارب النّفس بقوّة الإخلاص.

هذا كلُّه إذا وجد العمل مَنفذًا من القلب إلى الرّبِّ سبحانه، وإن دار فيه ولم يجد مَنفذًا وَثَبَتْ عليه النّفسُ، فأخذتْه وصيَّرتْه جندًا لها، فصالت به وعلَتْ وطغَتْ، فتراه أزهدَ ما يكون، وأعبدَ ما يكون، وأشدَّه اجتهادًا، وهو أبعدُ ما يكون عن الله، وأصحابُ الكبائر أقربُ قلوبًا إلى الله منه، وأدنى إلى الخلاص.

فانظر إلى السَّجّاد العبّاد الزّاهد الذي بين عينيه أثر السُّجود، كيف أورثه طغيانُ عمله أن أنكر على النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأورثَ أصحابَه احتقارَ المسلمين، حتّى سَلُّوا عليهم سيوفهم، واستباحوا دماءهم (٢).

وانظر إلى الشِّرِّيب السِّكِّير الذي كان كثيرًا ما يُؤتى به إلى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -،


(١) «ويحارب الهوى ... ويتركه» مكرر في ش، د.
(٢) يشير إلى ذي الخويصرة التميمي وأصحابه من الخوارج، وقد أخرجه البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٤) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>