للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعشق شيء، وحال المحبَّة شيءٌ آخر، والسُّكر لا ينشأ من علم المحبَّة، وإنّما ينشأ من حالها. فكأنَّه يقول: السُّكر صفةٌ وحالة تعرض لمن مقامه فوق مقام العلم، ودون مقام الشُّهود والفناء. وهو مختصٌّ بالمحبَّة، لأنَّ المحبَّة هي آخر منزلةٍ يلتقي فيها مقدِّمةُ العامَّة وهم أهل طور العلم، وساقةُ الخاصَّة وهم أهل طور الشُّهود والفناء، فالبرزخ الحاصل بين المقامين هو مقام المحبَّة، فاختصَّ به السُّكر.

فصل

قال (١): (وللسُّكر ثلاث علاماتٍ: الضِّيق عن الاشتغال بالخبرِ والتعظيمُ قائم، واقتحام لجَّة الشوقِ والتمكُّنُ دائم، والغرق في بحر السُّرورِ والصبرُ هائم).

يريد: أنَّ المحبَّ تَشْغَلُه شدَّةُ وجده بالمحبوب، وحضورُ قلبه معه، وذوبانُ جوارحه من شدَّة الحبِّ= عن سماع الخبر عنه. وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فإنَّ المحبَّ الصادق أحبُّ شيءٍ إليه الخبرُ عن محبوبه وذكرُه، كما قال عثمان بن عفّان - رضي الله عنه -: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله (٢). وقال بعض العارفين: كيف يشبعون من كلام محبوبهم، وهو غاية مطلوبهم؟


(١) «المنازل» (ص ٩٨).
(٢) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على «الزهد» (ص ١٥٩) و «فضائل الصحابة» (٧٧٥) ــ ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٢٧٢) ــ من طريق سفيان بن عيينة عن عثمان، وهو ظاهر الانقطاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>