للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يريده الشيخ وأمثاله بهذا الكلام: أنَّ المحبَّ الصادق يمتلئ قلبه بالمحبَّة، فتكون هي الغالبة عليه، فتحمله غلبتها وتمكُّنها على أن لا يغفل عن محبوبه، ولا يشتغل (١) قلبه بغيره البتَّة، فيسمع من الفارغين ما ورد في حقِّ المحبِّين، ويسمع منهم أوصاف حبيبه والخبر عنه، فلا يكاد يقدر على أن يسمع ذلك أبدًا، لضيق قلبه عن سماعٍ (٢) من قلبٍ غافلٍ، وإلَّا فلو سمع هذا الخبر ممَّن هو شريكه في شَجْوه، وأنيسه في طريقه، وصاحبه في سفره، لما ضاق عنه ولاتَّسع له غاية الاتِّساع، فهذا وجه.

ووجهٌ ثانٍ وهو: أنَّ السكران بالمحبَّة قد امتلأ قلبه بمشاهدة المحبوب، فاجتمعت قوى قلبه وهمُّه وإرادتُه عليه، ومعاني الخبر فيها كثرةٌ وانتقالٌ من معنًى إلى معنًى، فقلبه يضيق في هذه الحال عنها حتَّى إذا صحا اتَّسع قلبه لها.

قوله: (والتعظيم قائم)، أي: ضيق قلبه عن اشتغاله بالخبر ليس اطِّراحًا له ورغبةً عنه، كيف وهو خبرٌ عن محبوبه واردٌ منه؟ بل لضيقه في تلك الحال عن الاشتغال به، وتعظيمُه قائمٌ في قلبه، فهو مشغولٌ بوجده وحاله عمَّا يفرِّقه عنه. وهذا يَحْسُن إذا كان المشتغَل به أحبَّ إلى حبيبه من المشتغَل عنه، فأمَّا إذا كان ما أعرض (٣) عنه أحبَّ إلى الحبيب ممَّا اشتغل به فشَرْعُ المحبَّة يوجب عليه إيثارَ أعظم المحبوبين إلى حبيبه، وإلَّا كان مع نفسه ووَجْده ولذَّته.


(١) ت: «يشغل».
(٢) ر: «سماعه».
(٣) ش، د: «أعرضه»، خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>