للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصّةٌ بحسب حفظه وقتَه مع الله. فإن (١) كان مع الله كان الله معه. فإذا أضاع وقتَه كدَّر عينَ هذه المعيَّة الخاصَّة، وتعرَّض لقطع هذه الصُّحبة. فلا شيءَ أضرُّ على العارف بالله من إضاعة وقته مع الله، ويُخشى عليه إن لم يتداركه بالرُّجوع أن تستمرَّ الإضاعةُ إلى يوم اللِّقاء، فتكون حسرتُه وندامتُه أعظمَ من حسرة غيره وندامته (٢)، وحجابُه عن الله أشدَّ من حجاب سواه، ويكون حالُه شبيهًا بحال قومٍ يؤمر بهم إلى الجنّة، حتّى إذا عاينوها وشاهدوا ما فيها صُرفت وجوهُهم عنها إلى النّار. فإذن توبةُ الخواصِّ من تضييع أوقاتهم مع الله التي تدعو إلى هذه الأمور.

فصل

وفوق هذا مقامٌ آخر من التّوبة أرفَعُ منه وأخصُّ، لا يعرفه إلّا خواصُّ المحبِّين، الذين يستقلُّون في حقِّ محبوبهم جميعَ أعمالهم وأحوالهم وأقوالهم، فلا يرونها قطُّ إلّا بعين النَّقص والإزراء عليها، ويرون شأنَ محبوبهم أعظمَ وقدرَه أعلى من أن يرضَوا نفوسَهم وأعمالَهم له، فهم أشدُّ شيءٍ احتقارًا لها وإزراءً بها. وإذا غفلوا عن مراد محبوبهم منهم (٣) ولم يوفُّوه حقَّه تابوا إليه من ذلك توبةَ أرباب الكبائر منها. فالتّوبةُ لا تفارقهم أبدًا، وتوبتُهم لونٌ، وتوبةُ غيرهم لونٌ (٤) وكلَّما ازدادوا حبًّا له ازدادوا معرفةً بحقِّه وشهودًا لتقصيرهم، فعظمت لذلك توبتُهم. ولذلك كان خوفُهم أشدَّ،


(١) ش: "فإنَّ مَن"، وكذا في هامش م.
(٢) "وندامته" من ع وحدها.
(٣) ما عدا ج: "منه"، وهو خطأ.
(٤) وردت بعده في ع الآية: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>