للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسَه، ويُعِدَّها للسَّير (١)، فهذا وقفةُ سيرٍ، ولا تضرُّه الوقفة، فإنَّ لكلِّ عاملٍ شِرَّةً (٢)، ولكلِّ شِرَّةٍ فترةٌ (٣).

وإمّا أن يقف لداعٍ دعاه من ورائه، وجاذبٍ جذَبه من خلفه، فإن أجابه أخَّره ولا بدَّ، فإن تدارَكَه الله برحمته، وأطلَعه على سبق الرَّكب له وعلى تأخُّره، نهضَ نهضةَ الغضبانِ الآسفِ على الانقطاع، ووثَب وجمَز واشتدَّ سعيًا ليلحقَ الرَّكبَ (٤). وإن استمرَّ مع داعي التّأخُّر وأصغى إليه لم يرضَ بردِّه إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى، حتّى يردَّه إلى أسوأَ منها وأنزلَ درَكًا. وهو بمنزلة النَّكسة الشَّديدة عقيبَ الإبلال من المرض، فإنّها أخطر منه وأصعب.

وبالجملة، فإنْ تدارَكَ الله سبحانه هذا العبدَ بجذبةٍ منه من يد عدوِّه وتخليصه، وإلّا فهو في تأخُّرٍ إلى الممات، راجعٌ القهقرى، ناكصٌ على عقبيه، أو مولٍّ ظهرَه، ولا قوَّة إلّا بالله، والمعصومُ من عصَمه الله.

وقوله: (ويطفئ نورَ المراقبة). يعني: أنَّ المراقبةَ تعطي نورًا كاشفًا لحقائق المعرفة والعبوديّة، وإضاعةُ الوقت تطفئ ذلك النُّور، وتكدِّر عينَ الصُّحبة (٥) مع الله تعالى، فإنَّ صاحب الوقت مع صحبة الله، وله مع الله معيّةٌ


(١) بعده في ع زيادة: "وإما أن يقف لداعٍ دعاه"، وأشير إلى زيادتها أيضًا بكتابة "لا" في أولها و"إلى" في آخرها ثم الضرب عليها لمجيئها في السطر التالي.
(٢) الشِّرَّة: النشاط.
(٣) كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وسيأتي.
(٤) كلمة "الرَّكب" من ع وحدها.
(٥) ما عدا ع: "نور الصحبة"، والمثبت موافق لما سبق من متن "المنازل" ولما يأتي بعد سطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>