للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوبةُ هؤلاء من إضاعة هذا الوقت الخاصِّ الذي هو وقتُ وجدٍ صادقٍ وحالٍ صحيحةٍ مع الله تعالى لا يكدِّرها الأغيار.

وربّما يمرُّ بك إشباعُ القول في الوقت والفرق بين الصَّحيح منه والفاسد فيما بعد إن شاء الله (١).

والقصدُ: أنَّ إضاعةَ الوقت الصَّحيح يدعو إلى درَك النّقيصة، إذ صاحبُ حفظه مترقٍّ في درجات الكمال، فإذا أضاعه لم يقف موضعه، بل ينزل إلى درجاتٍ من النَّقص؛ فإنَّ مَن لم يكن في تقدُّمٍ فهو متأخِّرٌ ولا بدَّ. فالعبدُ سائرٌ لا واقفٌ، فإمّا إلى فوق وإمّا إلى أسفل، إمّا إلى أمامٍ وإمّا إلى وراء. وليس في الطَّبيعة ولا في الشَّريعة وقوفٌ البتّة، ما هو إلّا مراحلُ تُطوى أسرعَ طيٍّ إلى الجنّة أو إلى النّار، فمسرعٌ ومبطئٌ، ومتقدِّمٌ ومتأخِّرٌ، وليس في الطّريق واقفٌ البتّة، وإنّما يتخالفون في جهة المسير، وفي السُّرعة والبطء {إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ} [المدثر: ٣٥ - ٣٧] ولم يذكر واقفًا، إذ لا منزل بين الجنّة والنّار، ولا طريق لسالكٍ إلى غير الدّارين البتّة (٢).

فإن قلت: كلُّ مجدٍّ في طلب شيءٍ لا بدّ أن يعرض له وقفةٌ وفتورٌ، ثمَّ ينهض إلى طلبه.

قلت: لا بدَّ من ذلك، ولكنَّ صاحب الوقفة له حالان: إمّا أن يقف ليُجِمَّ


(١) في شرح باب الوقت (٣/ ٥٤٤).
(٢) بعده في ع زيادة وقد أشير في أولها إلى أنها زيادة على الأصل: "فمن لم يتقدَّم إلى هذه بالأعمال الصّالحة فهو متأخِّرٌ إلى تلك بالأعمال السّيِّئة".

<<  <  ج: ص:  >  >>