للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

الدرجة الثانية: إثبات الأسباب والمسبَّبات، فإنَّ من نفاها فتوكُّله مدخول. وهذا عكس ما يظهر في بَدَوات الرَّأي: أنَّ إثبات الأسباب يقدح في التوكُّل، وأنَّ بنفيها تمام التوكُّل.

فاعلم أنَّ نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكُّل البتَّة، لأنَّ التوكُّل (١) من أقوى الأسباب في حصول المتوكَّل فيه، فهو كالدُّعاء الذي جعله الله سببًا في حصول المدعوِّ به، فإذا اعتقد العبد أنَّ توكُّله لم ينصبه الله سببًا، ولا جعل دعاءه سببًا لنيل شيءٍ، فإنَّ المتوكَّل فيه المدعوَّ بحصوله إن كان قد قدِّر حصل، توكَّل أو لم يتوكَّل، دعا أو لم يدع، وإن لم يُقدَّر لم يحصل، توكَّل أيضًا أو ترك التوكُّل (٢).

وصرَّح هؤلاء أنَّ التوكُّل والدُّعاء عبوديَّة محضة، لا فائدة لهما إلَّا ذلك، ولو ترك العبد التوكُّل والدُّعاء لما فاته شيءٌ ممَّا قدِّر له! ومِن غُلاتهم من يجعل الدُّعاء بعدم المؤاخذة على الخطإ والنِّسيان عديم الفائدة، إذ هو مضمون الحصول (٣).


(١) ل: «المتوكل».
(٢) لم يأت جواب: «فإذا اعتقد العبد ... » إلخ، تقديره: «فإنه حينئذ يترك التوكل والدعاء»، أو نحو ذلك.
(٣) قال الرازي في «تفسيره» في الكلام على خواتيم سورة البقرة: «المقصود من الدعاء إظهار التضرع إلى الله تعالى لا طلب الفعل، ولذلك فإن الداعي كثيرًا ما يدعو بما يقطع بأن الله تعالى يفعله سواء دعا أو لم يدع».

<<  <  ج: ص:  >  >>