للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا حديث المعارضة والاعتراض فباطل، فإنَّ الراجي ليس معارضًا (١) ولا معترضًا، بل راغبًا راهبًا مؤمِّلًا لفضل ربِّه، مُحسنَ (٢) الظنِّ به، متعلِّقَ الأمل ببرِّه وجوده، عابدًا له باسمه المحسن، البَرِّ، المعطي، الحليم، الغفور، العفو، الجواد، الوهَّاب، الرزاق. والله يحبُّ من عبده أن يرجوه، ولذلك كان عند رجاء العبد له وظنِّه به.

والرجاء من الأسباب التي ينال بها العبد ما يرجوه من ربِّه، بل هو من أقوى الأسباب. ولو تضمَّن معارضةً واعتراضًا لكان ذلك في الدُّعاء والمسألة أولى، فكان دعاء العبد ربَّه وسؤالُه أن يهديه ويوفِّقه ويسدِّده ويعينه على طاعته ويجنِّبه معصيته ويغفر ذنوبَه ويدخله الجنة وينجيه من النار= معارضةً واعتراضًا، لأنَّ الداعي راجٍ وطالبٌ، فمعه رجاء وطلب ما يرجوه، فهو أولى حينئذٍ بالمعارضة والاعتراض.

والذي أوجب للشيخ هذا القَدْرَ الاسترسالُ في القَدَر والفناءُ في شهود الحقيقة الكونية، فإنَّه من الراسخين فيه، الذين لا يأخذهم فيه لومة لائمٍ. وهو شديدٌ في إنكار الأسباب. وهذا موضعٌ زلَّت فيه أقدام أئمَّةٍ أعلام. ولولا أنَّ حقَّ الحقِّ أوجب من حقِّ الخلق لكان في الإمساك فسحةٌ ومتَّسع.

وليس في الرجاء ولا في الدُّعاء معارضةٌ لتصرُّف المالك في ملكه، فإنَّه إنما يرجو تصرُّفه في ملكه أيضًا بما هو أحبُّ الأمرين إليه، فإنَّ الفضل أحبُّ إليه من العدل، والعفو أحبُّ إليه (٣) من الانتقام، والمسامحة أحبُّ إليه من


(١) في ع زيادة: «ولا متعرِّضًا».
(٢) ع: «حسن».
(٣) «فإن الفضل ... أحبُّ إليه» من ع، ولا بد منه لاستقامة السياق، ولعله سقط من الأصل وغيره لانتقال النظر. والسياق في ج، ن: «بما هو أحبُّ الأمرين إليه من الانتقام والمسامحةِ، والمسامحةُ ... »

<<  <  ج: ص:  >  >>