للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستقصاء، والتّرك أحبُّ إليه من الاستيفاء، ورحمته غلبت غضبه.

فالراجي علَّق رجاءَه بتصرُّفه المحبوب له المَرضيِّ له، فلم يوجب رجاؤه خروجَه عن تصرُّفه في ملكه، بل اقتضى عبوديَّته وحصولَ أحبِّ التصرُّفين إليه. وهو سبحانه لا ينتفع باستيفاء حقِّه وعقوبة عبده، حتَّى يكون رجاؤه مبطلًا لذلك، وإنَّما العبدُ استدعى العقوبةَ وأَخْذَ الحقِّ منه لشركه بالله وكفره به واجتهاده في غضبه. ولغضبه موجباتٌ وآثارٌ ومقتضيات، والعبدُ موثِرٌ لها ساعٍ في تحصيلها عاملٌ عليها بإيثاره وسعيه في أسبابها، فهو المُهلك لنفسه. وربُّه يحذِّره ويبصِّره ويناديه: هلمَّ إليَّ أحمِك وأصُنْك، وأُنجيك (١) ممَّا تحذر، وأؤمِّنك من كلِّ ما تخاف، وهو يأبى إلا شِرادًا (٢) عليه ونِفارًا عنه، ومصالحةً لعدوِّه ومظاهرةً له على ربِّه، متطلِّبٌ لمرضاة خلقه بمساخطه، رضا المخلوق آثَرُ عنده من رضاه (٣)، وحقُّه آكد عنده من حقِّه، وخوفه ورجاؤه وحبُّه في قلبه أعظمُ (٤)، فلم يدع لفضل ربِّه وكرامته وثوابه إليه طريقًا، بل سدَّ دونه طرق مجاريها بجهده، وأعطى بيده لعدوِّه فصالحه وسمع له وأطاع وانقاد إلى مرضاته، فجاء من الظُّلم بأقبحه وأشدِّه، فهو الذي عارض مراد ربه منه بمراده وهواه وشهوته، واعترض لمحابِّه ومراضيه


(١) كذا في الأصل وغيره بإثبات الياء. وفي ع: «أُنجِك» بالجزم عطفًا على ما سبق.
(٢) م، ش: «شرودًا».
(٣) ع: «رضا خالقه».
(٤) في ع زيادة: «مِن خوفه من الله ورجائه وحبِّه».

<<  <  ج: ص:  >  >>