للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالدفع، ولم يأذن لها في الدُّخول عليه، فأضاع حظَّه وبخس حقَّه وظلم نفسه، وعادى حبيبه ووالى عدوَّه، وأسخط مَن حياتُه في رضاه (١)، وأرضى مَن حياتُه في سخطه، وجاد بنفسه لعدوِّه، وبخل بها عن حبيبه ووليِّه.

والرّبُّ تعالى ليس له ثأرٌ عند عبده فيدركه بعقوبته، ولا يتشفَّى بعقابه، ولا يزيد ذلك في ملكه مثقالَ ذرَّةٍ، ولا تَنقُص مغفرتُه لو غفر لأهل الأرض كلِّهم (٢) مثقالَ ذرَّةٍ من ملكه، كيف والرحمةُ أوسع من العقوبة وأسبقُ مِن الغضب وأغلب له ــ وهو قد كتب على نفسه الرحمة ــ؟! فرجاء العبد له لا ينقص شيئًا من حكمته، ولا ينقص ذرَّةً من ملكه، ولا يخرجه عن كمال تصرُّفه، ولا يوجب خلاف كماله، ولا تعطيل أوصافه وأسمائه. ولولا أنَّ العبد هو الذي سدَّ على نفسه طرق الخيرات وأغلق دونها أبواب الرحمة بسوء اختياره لنفسه لكان ربُّه له فوقَ رجائه وفوقَ أمله.

وأمَّا استسلام العبد لربِّه، وانطراحُه بين يديه، ورضاه بمواقعِ (٣) حُكمه فيه= فما ذاك إلَّا رجاءً منه أن يرحمه ويقبله (٤)، ويقيله عثرتَه ويعفو عنه، ويقبلَ حسناتِه مع عيوب أعماله وآفاتها، ويتجاوزَ عن سيِّئاته؛ فقوَّة رجائه أوجبت له هذا الاستسلام والانقياد والانطراح بالباب، ولا يُتصوَّر هذا بدون


(١) ع: «مرضاته».
(٢) في ع زيادة: «لَما نقص»، إقحام لا حاجة إليه.
(٣) ع: «بجوامع»، خطأ.
(٤) كان في الأصل: «ويقبل منه» ثم أصلحه إلى المثبت، وهو ساقط من ل، م، ع. وفي ج، ن: «وأن يقبله».

<<  <  ج: ص:  >  >>