للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياءً منه. وهذا يدخل في حياء التكرُّم، لأنَّه يستحيي من خجلة الآخذ.

وأمَّا حياء المرء من نفسه: فهو حياء النُّفوس الشريفة العزيزة (١) مِن رضاها لنفسها بالنقص وقَنَعِها بالدُّون، فيجد نفسه مستحييًا من نفسه، حتّى كأنَّ له نفسان (٢)، يستحيي بإحداهما من الأخرى. وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإنَّ العبد إذا استحيا من نفسه، فهو بأن يستحيي من غيره أجدر.

فصل

قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (٣): (الحياء من أوَّل مدارج أهل الخصوص؛ يتولَّد من تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ).

إنَّما جعل الحياء من أوَّل مدارج أهل الخصوص لِما فيه من ملاحظة حضور من يستحيي منه، وأوَّلُ سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناءُ سلوكهم.

وقوله: (إنَّه يتولَّد من تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ) يعني: أنَّ الحياء حالةٌ تحصل من امتزاج التعظيم بالمودَّة، فإذا اقترنا تولَّد بينهما الحياء.

والجنيد - رحمه الله - يقول: إنَّ تولُّده من مشاهدة النِّعم ورؤية التقصير (٤).


(١) زيد في ع: «الرفيعة».
(٢) كذا في النسخ، والجادة: النصب.
(٣) (ص ٤٢).
(٤) سبق نصُّ كلامه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>