فحقيقة التّوبة: هي النّدمُ على ما سلف منه في الماضي، والإقلاعُ عنه في الحال، والعزمُ على أن لا يعاوده في المستقبل. والثّلاثة تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التّوبة، فإنّه في ذلك الوقت يندَم، ويُقلِع، ويَعزِم. فحينئذٍ يرجع إلى العبوديّة التي خُلِق لها، وهذا الرُّجوعُ هو حقيقة التّوبة. ولمّا كان متوقِّفًا على تلك الثّلاثة جُعلت شرائط له.
فأمّا النّدم، فإنّه لا تتحقَّق التَّوبةُ إلّا به، إذ من لم يندَم على القبيح فذلك دليلٌ على رضاه به وإصراره عليه. وفي "المسند"(١): "الندم توبةٌ".
وأمّا الإقلاع، فتستحيل التَّوبة مع مباشرة الذَّنب.
وأمّا الاعتذار، ففيه إشكالٌ، فإنَّ من النّاس من يقول: من تمام التّوبة تركُ الاعتذار، فإنَّ الاعتذارَ محاجّةٌ عن الجناية، وتركَ الاعتذار اعترافٌ بها، ولا تصحُّ التّوبة إلّا بعد الاعتراف. وفي ذلك يقول بعضُ الشُّعراء لرئيسه، وقد عتب عليه في شيءٍ:
(١) برقم (٣٥٦٨) من حديث عبد الله بن معقل عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. وأخرجه أيضًا الطيالسي (٣٨٠) وابن ماجه (٤٢٥٢) والبزار (٥/ ٣١٠) والحاكم (٤/ ٢٤٣) والبيهقي في "شعب الإيمان" (٦٦٢٩ - ٦٦٣٢) وغيرهم. واختلف في الراوي عن عبد الله بن معقل، ومع ذلك الحديثُ لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله. وانظر للتفصيل: "علل ابن أبي حاتم" (١٧٩٧، ١٨١٦، ١٨٤١، ١٩١٨) و"علل الدارقطني" (٨١٣، ٧٣٧، ٧٧٥، ٨٩٥، ٢٩٨٨) و"تهذيب الكمال" (٩/ ٥١١ - ٥١٤) و"تحفة الأشراف" (٧/ ٧٢ - ٧٣) و"تهذيب التهذيب" (٣/ ٣٨٤ - ٣٨٥) وتعليق محققي "مسند أحمد" (٣٥٦٨).