للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قابلتُ عَتْبَك باعتذارٍ ... ولكنِّي أقولُ كما تقولُ

وأطرُقُ بابَ عفوك بانكسارٍ ... ويحكمُ بيننا الخلُقُ الجميلُ (١)

فلمّا سمع الرّئيس مقالته قام وركب إليه من فوره، وأزال عتبه عليه. فتمامُ الاعترافِ تركُ الاعتذار، بأن يكون في قلبه ولسانه (٢):اللهمَّ لا عذرَ لي، وإنّما هو محضُ حقِّك، ومحضُ جنايتي، فإن عفوتَ (٣) وإلّا فالحقُّ لك.

والّذي يظهر لي من كلام صاحب "المنازل" أنّه أراد بالاعتذار إظهارَ الضَّعفِ والمسكنةِ، وغلبةِ العدوِّ، وقوّةِ سلطان النّفس، وأنّه لم يكن منِّي ما كان استهانةً بحقِّك، ولا جهلًا به، ولا إنكارًا لاطِّلاعك عليَّ، ولا استهانةً بوعيدك؛ وإنّما كان عن غلباتِ الهوى، وضعفِ القوّة عن مقاومة مرض الشّهوة، وطمعًا في مغفرتك، واتِّكالًا على عفوك، وحسنَ ظنٍّ بك، ورجاءً لكرمك، وطمعًا في سعة حلمك ورحمتك. وغرَّني بك الغَرورُ، والنّفسُ الأمّارةُ بالسُّوء (٤)، وأعانني جهلي. ولا سبيلَ لي إلى الاعتصام إلّا بك، ولا معونةَ على طاعتك إلّا بتوفيقك، ونحو هذا من الكلام المتضمِّن للاستعطاف والتّذلُّل والافتقار، والاعتراف بالعجز، والإقرار بالعبوديّة.

فهذا من تمام التّوبة. وإنّما يسلكه الأكياس المتملِّقون لربِّهم، والله


(١) البيتان في "غرر الخصائص الواضحة" (ص ٤٩١) و"ديوان الصبابة" (ص ٥٩).
(٢) في ع بعده زيادة: "اللهمَّ لا براءة لي من ذنبٍ فأعتذرَ، ولا قوّة لي فأنتصرَ، ولكنِّي مذنبٌ مستغفرٌ". وهي مأخوذة من كلام عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عند وفاته. انظر: "العاقبة في ذكر الموت" (ص ١٢٥).
(٣) ش: "وإن غفرت".
(٤) بعده في ع زيادة: "وسِترُك المُرخى عليَّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>