للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكدارٌ وتنفُّساتٌ في مرآة القلب والرُّوح، فلا تتجلَّى (١) فيها صور الحقائق كما ينبغي. والنّفس تتنفَّس فيها دائمًا بالرّغبة في الدُّنيا والرّهبة من فوتها، فإذا جُلِيت المرآة بإذهاب هذه الأكدار صَفَتْ، فظهرت فيها الحقائق والمعارف.

وأمّا الأبدان الزّاكية، فهي التي زَكَتْ بطاعة الله، ونبتتْ على أكل الحلال. فمتى خلصت (٢) الأبدان من الحرام وأدناسِ البشريّة، التي ينهى عنها العقل والدِّين والمروءة، وطَهُرت الأنفس من علائق الدُّنيا= زكَتْ أرضُ القلب، فقبلتْ بذْرَ العلوم والمعارف. فإن سُقِيتْ بعد ذلك بماء الرِّياضة الشّرعيّة النّبويّة المحمّديّة ــ وهي لا تخرج عن علمٍ، ولا تبعد عن واجبٍ، ولا تُعطِّل سنّةً ــ أنبتتْ من كلِّ زوجٍ كريمٍ، من علمٍ وحكمةٍ وفائدةٍ وتعرُّفٍ. فاجتنى منها صاحبُها ومَن جالسه أنواعَ الطُّرف والفوائد والثِّمار، كما قال بعض السّلف (٣): إذا عَقَدت القلوب على ترك المعاصي جالتْ في الملكوت، ثمّ رجعتْ إلى أصحابها بأنواع التُّحَف والفوائد.

قوله: (وتظهر في الأنفاس الصّادقة)، يريد بالأنفاس أمرين:

أحدهما: أنفاس الذِّكر والمعرفة.

والثّاني: أنفاس المحبّة والإرادة. وهي ما يتعلّق بالمعروف المذكور، وبالمحبوب المراد من الذّاكر والمحبِّ.


(١) ش، د: «ينجلي».
(٢) د: «حصلت».
(٣) هو أبو سليمان الداراني كما في «صفة الصفوة» (٤/ ٢٣٢)، و «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٤٢، ٤٣)، و «الآداب الشرعية» (٢/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>