للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكملُهم حياءً، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته، فإنّ الرُّوح إذا ماتت لم تحسّ بما يُؤلِمها من القبائح، فلا تستحيي منها، وإذا كانت صحيحة الحياة أحسَّتْ بذلك فاستحيتْ منه. وكذلك سائر الأخلاق الفاضلة والصِّفات الممدوحة تابعةٌ لقوّة الحياة، وضدُّها من نقصان الحياة، ولهذا كانت حياة الشُّجاع أكملَ من حياة الجبان، وحياة السّخيِّ أكمل من حياة البخيل، وحياة الفَطِن الذّكيِّ أكمل من حياة الفَدْم البليد. ولهذا لمّا كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أكملَ النّاس حياةً حتّى إنّ قوّة حياتهم منعَ الأرضَ أن تُبلِي أجسادهم= كانوا أكملَ النّاس في هذه الأخلاق، ثمّ الأمثل فالأمثل من أتباعهم.

فانظر الآن إلى حياة {حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: ١٠ - ١٣]، وحياة جوادٍ شجاعٍ بَرٍّ عادلٍ عفيفٍ محسنٍ، تَجدِ الأوّلَ ميِّتًا بالنِّسبة إلى الثّاني، ولله درُّ (١) القائل:

وما للمرء خيرٌ في حياةٍ ... إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ (٢)

فصل

المرتبة الثّامنة من مراتب الحياة: حياة الفرح والسُّرور وقرّة العين، وهذه الحياة إنّما تكون بعد الظّفر بالمطلوب الذي تَقَرُّ به عينُ طالبه، فلا حياة نافعةً


(١) «در» ليست في ش، ت.
(٢) البيت لقطري بن الفجاءة من مقطوعة له في «الحماسة» (١/ ١٦١)، و «أمالي المرتضى» (١/ ٦٣٦، ٦٣٧)، و «وفيات الأعيان» (٤/ ٩٣، ٩٤) وغيرها. وأنشدها المؤلف في «الفروسية» (ص ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>